تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم صقل التطور هذا اللفظ، وأضاف إلى معناه الأول معنى جديداً يوضحه الزبيدي فيقول: "الاصطلاح اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص" (7) "ويحدد غيره المصطلح العلمي، فيقول: "المصطلح العلمي هو لفظ اتفق العلماء على اتخاذه للتعبير عن معنى من المعاني" (8). "والاصطلاح يجعل للألفاظ مدلولات جديدة غير مدلولاتها اللغوية الأصليّة" (9).

وربما كان مصطلح "العربية" هو المصطلح الأول الذي أطلقته الطبقة الأولى من النحاة على العلم الذي سمي بعد ذلك "نحواً". ربما كان المصطلحان قد ظهرا في وقت واحد، ثم غلب الثاني الأوَّلَ. قال الدكتور محمد خير حلواني: "مصطلح (عربية) ومصطلح (نحو) هما اللذان أطلقا على هذا العلم، ثم زال الأول على الأيام، وبقي الثاني" (10) وقيل: إن أول النحاة الذين استعملوا مصطلح النحو هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت: 117هـ). "وهكذا انتقل اصطلاح النحو من المعنى اللغوي، وهو القصد والطريق إلى المعنى الاصطلاحي كعلم قائم بذاته له قواعده وضوابطه وأقيسته الخاصة" (11).

وفي نهاية القرن الهجري الأول وبداية القرن الثاني تداولت ألسنة النحاة مصطلحات أخرى هي "الكلام واللحن، والإعراب، والمجاز" (12). ولا يستطيع الباحث أن يعزو كل مصطلح منها إلى عالم يخصّه بشرف وضعه لسببين: ـ

ـ أولهما: أن النحو نفسه لم يكن قد أصبح في هذه الفترة علماً مستقلاً، "فالنحوي في هذه الحقبة قارئ، لغوي فقيه محدث. وكان النحو ينمو في ظل هذه العلوم جميعاً" (13) وإذا لم يكن النحو قد أصبح علماً مستقلاً، له موضوعاته المحددة، وآفاقه المتميزة من آفاق العلوم الأخرى، ولم يظهر علماؤه المتفرغون لتمحيصه وتخصيصه فإن عزو مصطلحاته إلى واضعين، يقع عليهم الاختيار، لا يجاوز التخمين إلى اليقين.

ـ وثانيهما: أنه لم تصل إلينا مؤلفات متخصصة، كتبها نحاة هذه الفترة التمهيدية، فنستطيع على هديها أن نخص كل عالم بما وضع، غير أننا نستطيع أن نزعم أنه كان لهؤلاء النحاة الذين ظهروا قبل الخليل "فضل الإسراع بالنحو لبلوغ الدرجة التي هيأت للخليل إرساء قواعده على أسس متينة من الإدراك والفهم لخصائص اللغة وأسرارها" (14). ويستطيع الباحث باستقراء الآراء المعزّوة إلى الخليل أن ينسب إليه إبداع مصطلحات كثيرة. قال د. محمد خير حلواني: "ولعل الخليل هو الذي اصطلح في علم اللغة على الجهر والهمس والمخرج. وربما كان أول من أطلق على القرينة اللفظية التي تصاحبها حركة إعرابية خاصة مصطلح العامل. ونقلوا عنه قوله: أنا من سمّى الأوعية ظروفاً" (15).

ومهما يكن حظ المصطلحات التي صنعها الخليل من الكثرة والدقة فإنها ساعدت على صقل المصطلحات الأولى ورفدتها بمصطلحات جديدة ظهرت في كتاب تلميذه العبقري سيبويه (ت: 180هـ). فما مقدار هذه المصطلحات؟ وما حظها من الوضوح في الدلالة؟ وكيف تطورت مصطلحات النحو من بعده؟

جـ ـ تطور المصطلح النحوي:

تختلف آراء الباحثين فيما قدم سيبويه إلى النحو من مصطلحات ولا يعود اختلافهم إلى خطأ في الحساب والإحصاء، بل إلى تسامحهم أو تشدّدهم في معنى المصطلح، وما يجب أن يكون، أهو اللفظ الدال على معنى نحوي محدد كالاسم والفعل، والفاعل والمفعول، والرفع والنصب، أم هو هذا اللفظ نفسه مقترناً بتعريف دقيق يضبط دلالته ويميز من سواه؟.

فِمنَ الذين ذهبوا المذهب الأول مَنْ وجد في كتاب سيبويه "نحو مئة مصطلح" (16). ومن الذين ذهبوا المذهب الثاني من رأى أن "كتاب سيبويه يكاد يخلو من التعريف على وجه العموم. فهو مثلاً لم يعرف الفاعل ولا الحال ولا البدل ولا غير ذلك من أبواب النحو" (17).

وعلى سبيل التوضيح لا التمثيل نقول: إنْ كنت من الفريق الأول قلت: استعمل سيبويه مصطلح الإضمار وإن لم يعرفه التعريف العلمي المنطقي. قال د. إبراهيم السامرائي: "لقد جاء مصطلح الإضمار في كتاب سيبويه، وهو قوله: وأما الإضمار فنحو: هو، وإياه، وأنا" (18).

وإن كنت من الفريق الثاني قلت كما قال د. شوقي ضيف: "يغلب على سيبويه أن يعنى في توضيح الباب الذي يتحدث عنه بذكر أمثلته التي تكشفه" (19). فإذا عمد سيبويه إلى تعريف الكلام لم يقل: الكلام لفظ مفيد، وإنما يقول: الكلم اسم وفعل وحرف" (20) وقوله هذا تقسيم لا تعريف، غير أن إدراكه أقسام الكلام دليل على وضوح المصطلح في ذهنه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير