تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا يجحد أصحاب المذهب الثاني فضل سيبويه في تعريف ما حاول تعريفه، سواء أحالفه النجح فيما حاول أم خالفه. قال د. شوقي ضيف: "وقد يعمد سيبويه إلى المنهج العقلي المجرد، فيحاول أن يحدّ بعض ما يتحدث عنه من أبواب عن طريق التعريف الكلي الجامع، من ذلك تعريفه للفعل في السطور الأولى من الكتاب إذ يقول: وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث (مصادر) الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع" (21).

ولعل أفضل مصطلحات سيبويه وأقربها إلى الدقة تلك التي يقترن فيها الحدّ بالمثال، كقوله في تعريف المبتدأ: "هذا باب المسند والمسند إليه، وهو ما لا يغني واحد منهما عن الآخر، ولا يجد المتكلم منه بدّا. فمن ذلك الاسم المبتدأ والمبنّي عليه، وهو قولك: عبد الله أخوك وهذا أخوك" (22). غير أن هذا النمط قليل الورود في الكتاب. وهو على قلته يعني أن سيبويه أسهم إسهاماً بارزاً في إغناء المصطلح النحوي، سواء أكان ما أسهم فيه معاً وضعه، أم مما نقله عن شيخه الخليل.

وبعد سيبويه ظهر نحاة كبار ارتقوا بالمصطلح النحوي البصري، فصقلوا ما نقلوا، وزادوا على ما وجدوا، وطوروا وابتكروا، ووفوا المصطلح حقه من الدقة والإيجاز والوضوح. ومنهم قطرب محمد بن المستنير (ت: 206هـ) والأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (ت: 211هـ) وأبو عمر الجرمي صالح بن إسحاق (ت: 225) وأبو عثمان المازني بكر بن محمد (ت: 249هـ) وأبو العباس المبرد محمد بن يزيد (ت: 285هـ). فقد استطاع هؤلاء البصريون بمناقشاتهم الخصبة أن يرقوا بمصطلحات النحو إلى مرحلة من النضج قاربت الكمال.

وفي هذه الحقبة نفسها ظهر نحاة الكوفة وأبرزهم علي بن حمزة الكسائي (ت: 189) ويحيى بن زياد ا لفراء (ت: 207هـ) وأبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب (ت: 291هـ). وحاولوا أن يصوغوا آراءهم بمصطلحات جديدة، فلم يصيبوا إلا حظا يسيرا من التوفيق. "ودل الدرس النحوي على أن مصطلح الكوفيين للمواد النحوية مصطلح لا يتصف بالشمول والسعة" (23). وعلى أن الكوفيين "يفتقرون إلى الإحكام في مصطلحهم. وآية ذلك أن المصطلح الواحد عندهم يدل على موضوعات عدة" (24) كمصطلح التفسير الذي يعني عندهم التمييز والمفعول لأجله. وآيته كذلك أن نحاة بغداد ومصر والأندلس في القرن الرابع الهجري والقرون التي أعقبته آثروا مصطلح البصرة على مصطلح الكوفة فيما صنفوا وألفوا، وأن ابن يعيش وابن هشام الأنصاري، وأبا حيان الأندلسي وجلال الدين السيوطي وأمثالهم استطاعوا أن يكتبوا بمصطلحات البصرة أضخم كتب النحو في لغة العرب، وأورثوا أبا البقاء الكفوي تراثاً ضخماً من المصطلح النحوي، فكيف فهمه وأفهمه، وكيف تمرس به في "كلياته"؟

د ـ كتاب الكليات:

"الكليات" معجم موسوعي نفيس، حقّقه د. عدنان الدرويش والأستاذ محمد المصري، وأصدرته وزارة الثقافة السورية في خمسة مجلدات. وضخامة حجمه من ناحية، وتنوع موضوعاته من ناحية أخرى يلحقانه بالموسوعات الفكرية العامة.

ينطوي هذا الكتاب على ما يقرب من ستة آلاف مادة، صنّفت على حروف المعجم تصنيفاً يأخذ بأوائل الكلمات، ولكنه في ترتيب المواد لا يلتزم الدقة التامة في مراعاة ا لحرفين الثاني والثالث. ولذلك اضطر محققاه بعد إصدارهما الجزء الأول عُطْلاً من الفهارس إلى تحلية الأجزاء الأخرى بفهارس تستدرك هذا النقص، وتعيد الترتيب على نحو معجمي دقيق لتعين الباحث على الظفر بما يلتمس في مظانّه من الكتاب.

والمواد التي يشتمل عليها الكتاب متعددة الأغراض، وهي في الجملة المصطلحات التي استوعبت ثقافتنا العربية الإسلامية طوال القرون العشرة التي سبقت ظهور الكفوي وكلياته في القرن الحادي عشر الهجري. وأبرز الموضوعات التي رصّها المؤلف في مصطلحات الكتاب رصّا مكثفاً دسما: الفلسفة، وعلم الكلام، والمنطق، وأصول الفقه، والفقه الحنفي، والنحو والصرف، وغيرهما من علوم العربية كالبلاغة والعروض، إلى جانب المصطلحات المتداولة في كتب الحديث والتاريخ والعلوم والفنون الأخرى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير