تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن دراسة هذه الآلاف الستة من مواد الكتاب غير متوازنة، بل هي متفاوتة القدر والمقدار، يطول بعضها حتى يملأ بضع صفحات، ويقصر بعضها فلا يزيد على بضعة أسطر، أو بضع كلمات. ولا ينمّ طول الدرس على خطر المدروس، ولا قصره على تفاهته، وإنما يعود التفاوت ـ كما نظن ـ إلى مدى اهتمام المؤلف بالعلم أو بمصطلح العلم الذي يعرض له، أو إلى حظه من العلم الذي يخوض فيه، أو إلى عمق الفهم للأغراض التي استأثرت بعنايته، أو إلى ضحالته في الأغراض التي كانت عينه تقتحمها أو تنظر إليها نظرة المستطلع العجلان لا نظرة المدقق المحقق.

ومهما يكثر حظ أبي البقاء الكفوي من العلوم التي عرض مصطلحاتها أو يقلّ فإن ما يعنينا منها هو المصطلح النحوي الذي ذكرنا تطوره على نحو سريع منذ بداية ظهور النحو إلى نهاية نضجه في القرن الرابع الهجري.

هـ ـ المصطلح النحوي في الكليات:

1 ـ مقداره في الكتاب:

لم يُؤْثَر عن أبي البقاء الكفوي أنه كان نحوياً من النحاة البارزين في عصره بل أثر عنه أنه كان فقيهاً وقاضياً على مذهب أبي حنيفة. وفي القضاء قضى فترة طويلة من حياته، إذ ولي منصبه في موطنه "كفه" ثم في القدس واستنبول وبغداد. وربما كان غرضه الأول من تصنيفه هذا الكتاب خدمة المذهب الحنفي، وشرح معاني مصطلحاته للشُداة من طلبة الفقه مقتدياً بالمطرزي في كتابه القيم (المغرب).

ثم أبعد المؤلفُ مرماه، أو اتسع في مسعاه، فضمّ إلى الفقه العلوم الأخرى. والفقة بطبيعته محتاج إلى علوم كثيرة، ومصطلحات كثيرة، من بينها أو في مقدمتها النحو ومصطلحه. ولذلك فرض المصطلح النحوي نفسه على كتاب "الكليات".

لا يبالغ من يزعم أن سدس المصطلحات التي يضمها كتاب الكليات مصطلح نحوي أو مادة نحوية. وإذا كنا قد قدّرنا مواد الكتاب كلها بستة آلاف مادة فتقديرنا يعني أن في الكليات ألف مادة نحوية أو ذات صلة بالنحو. لكن قولنا لا يعني أن فيه ألف مصطلح نحويّ محض، لأن مصطلحات النحو كلها في علم النحو كله، وفيما ألف النحاة من كتاب سيبويه إلى عصر الكفوي لا تبلغ ألف مصطلح.

الحق أن عدة المصطلحات النحوية الخالصة للنحو لا تزيد في الكتاب على مئتي مصطلح، وأن المواد الكثيرة الأخرى ـ على صلتها الوثيقة بالنحو ـ ليست من المصطلحات. إن مجموعة كبيرة من هذه المواد تتألف من الأسماء والأدوات والحروف كأسماء الموصول وأسماء الإشارة وأدوات الشرط وأدوات الاستفهام وحروف النصب والجزم والجر، جُعِل كلّ منها مادة واتخذ مكانه في موضعه المعجمي من الكتاب. وإن مجموعة كبيرة أخرى وردت في نهاية الجزء الخامس في باب الفوائد والمسائل المفردة، وهذه المجموعة الملحقة بالكتاب أقرب إلى (الكليات) وأشبه بطبيعة الكتاب من الحروف والأدوات المقحمة فيه.

2 ـ المصطلح النحوي بين الحقيقة والمجاز:

ذكرنا قبل أن المصطلح العلمي سواء أكان نحوياً أم غير نحوي "هو لفظ اتفق العلماء على اتخاذه للتعبير عن معنى من المعاني" (25) أفيعني ذلك أن للعلماء الحقّ في إطلاق ما يختارون من الألفاظ على ما يعرض لهم من المعاني، ولو لم يكن بين اللفظ القديم والمعنى الجديد ارتباط يسوّغ هذا الإطلاق؟

في كليات الكفوي ما يوحي بأن للعلماء مثل هذا الحق، وبأن الذين تواضعوا على تسمية الأشياء بأسمائها لم يراعوا التناسب بين اللفظ والمعنى. قال أبو البقاء: "كل لفظ وضع لمعنى، اسماً كان أو فعلاً أو حرفاً، فقد صار اسماً عَلَمًا موضوعاً لنفس ذلك اللفظ" (26).

ولك أن تفهم من كلامه أن المصطلح يكتسب معناه الاصطلاحي بعد الوضع، وأن هذا المعنى يلصق به إلصاقاً، وأنه ليس من الضروري أن يكون بين اللفظ ودلالته أدنى ارتباط. قال أبو البقاء: "الأسماء لا تدلّ على مدلولاتها لذاتها، إذ لا مناسبة بين الاسم والمسمى، ولذلك يجوز اختلافها باختلاف الاسم، بخلاف الأدلة العقلية، فإنها تدل دلالتها، ولا يجوز اختلافها. وأمّا اللغة فإنها تدلّ بوضع واصطلاح" (27). فقد ترى رجلاًَ من أقبح الناس سماه أهله (جميلاً)، فلا تجد بين الاسم والمسمى من صلة، تسوغ إطلاق اللفظ على الشيء أو على المعنى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير