تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي هذه التعريفات اللفظية قد يختلط التعريف والتفسير بالإعراب، كقوله: "كما تدين تدان: الكاف في محل النصب نعتا للمصدر أي: تدان ديناً مثل دينك" (59). وقد يضعف التفسير ويطغى عليه التمثيل، فلا يبقى من التعريف سوى الأمثلة، كقوله في تعريف مصطلح النحو: "النحو: نحوت نحوك قصدت قصدك، ومررت برجل نحوك أي مثلك، ورجعت إلى نحو البيت إي جهته، وهذا الشيء، على أنحاء أي أنواع، وعندي نحو ألف درهم أي مقدار ألف درهم" (60). ألا ترى كيف شغل التعريف اللغوي أبا البقاء عن التفسير الاصطلاحي؟ وكيف اقتصر في هذا التعريف على ضرب الأمثلة، وترك للقارئ أن يستنبط المعنى اللغوي، وهو أن النحو: المثل أو الجهة.

وأما التعريف الحقيقي فهو كما يقول الغزاليّ "يطلب به ما هية الشيء وحقيقة ذاته" (61). وهو عند الكفوي كثير الشيوع، ومنه قوله في تعريف التمييز: "التمييز ما يرفع الإبهام من المفرد" (62).

والكفوي لا يكتفي بذكر حقيقة الشيء حينما يعرفه، بل يشفع التعريف أحياناً بالأمثلة الموضحة، كقوله في حدّ المتعدي واللازم وغير اللازم:

"المتعدي كل فعل كان فهمه موقوفاً على فهم غير الفاعل فهو المتعدي كضرب ... وكلّ فعل لا يتوقف فهمه على فهم أمر غير الفاعل فهو غير المتعدي كخرج ... وكل فعل نسبته إلى جميع الأعضاء وكل ما كان من الأفعال خلقة وطبيعة لا تعلق له بغير من صدر عنه فهو لازم نحو: قام وصام وجلس" (63).

والكفوي في مثل هذا النمط من الحدّ قد يغفل جانباً من الحقيقة الذاتية، كقوله في تعريف الحال: "الحال كل اسم نكرة منتصب بعد تمام الكلام فهو الحال" (64). ففي هذا التعريف إغفال لبيان هيئة الفاعل والمفعول، وهو ما ذكره الجرجاني بقوله: "الحال ما بين هيئة الفاعل أو المفعول به لفظاً نحو: ضربت زيداً قائماً، أو معنى نحو: زيد في الدار قائماً" (65). وأدق من التعريفين قول ابن هشام: "الحال وصف فضلة مذكور لبيان الهيئة" (66). وهذا لا يعني أن ابن هشام قد استوفى بتعريفه ماهية الحال. إن في الحال عنصراً زمنياً لم يُحط به تعريفه، وأشار إليه الدكتور شوقي ضيف، فقال: "إذا قلت: جاء محمد مبتسماً كان الابتسام صفة لمحمد في وقت معين، هو وقت المجيء أو وقت الفعل، فهو صفة مقيدة بزمان معين، ومن أجل ذلك يحسن أن يوضع له هذا التعريف: الحال صفة لصاحبها نكرة مؤقتة منصوبة" (67).

وليس من السهل أن تلتمس التعريف الجامع المانع لكل مصطلح عرّفه الكفوّي في كلياته. لأنك إذا حرضت على أن تعرف المصطلح تعريفاً حقيقياً فعليك "أن تذكر جميع ذاتياته وإن كانت ألْفاً، ولا تبالي بالتطويل، لكن ينبغي أن تقدم الأعمّ على الأخص" (68). وهيهات أن يتسنى ذلك للكفوي في مصطلحات الكليات كلها، فقد رأيت كيف اختلفت تعريفات الحال عند النحاة، وكيف أغفل ابن هشام في تعريفه عنصر الزمان، وابن هشام من أعمق النحاة تفكيراً، وأدقهم تعبيراً، فكيف تطالب عالماً غير متخصص بأن تكون تعريفاته كلها جامعة مانعة في كتاب يضمّ ستة آلاف مادة متعددة الموضوعات!؟

ومما يميز حدود الكفوى الموازنة بين الأشباه والنظائر، فإذا عرّف الإلغاء شفعه بتعريف التعليق، ولم يعبأ بالترتيب المعجمي، وإذا حدّ الشاذّ قرنه بالنادر والضعيف ليميز شيئاً من شيء، ويكشف الشبهات عن المتشابهات. قال في حدّ الإلغاء: "الإلغاء ترك العمل لفظاً مع امتناعه معنى، والتعليق ترك العمل لفظا مع إعماله معنى" (69) وقال في حدّ الشاذّ: "الشاذّ هو الذي يكون وجوده قليلاً لكن لا يجيء على القياس" (70). ثم قال: "الضعيف هو الذي يصل حكمه إلى الثبوت ... والنادر ما قلّ وجوده إن لم يكن بخلاف القياس مثل (خزعال) ... والمطرد لا يتخلف، والغالب أكثر الأشياء ولكنه يتخلف، والكثير دونه، والقليل دون الكثير، والنادر أقلّ من القليل" (71).

وكان الكفوي إذا أدرك أن الحدّ لم يوفّ المحدود حقّه من التوضيح ولم ينقع غلة القارئ أعمل مبضع التفصيل فيما أجمل. من ذلك قوله بعد تعريف الشاذ والضعيف: "والشاذ المقبول هو الذي يجئ على خلاف القياس ويقبل عند الفصحاء والبلغاء. والشاذ المردود هو الذي يجئ على خلاف القياس ولا يقبل عند الفصحاء والبلغاء. والمراد بالشاذ في استعمالهم ما يكون بخلاف القياس من غير نظر إلى قلة وجوده وكثرته. والضعيف ما يكون في ثبوته كلام كقُرطاس بالضم" (72).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير