تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وربما شغله التقسيم عن التعريف، فراح يذكر الأنواع والفروع، ويهمل حدّ الأصل. ففي حديثه عن النفي اجتزأ من التعريف بالأنواع، فذكر نفي الشمول، ونفي الجنس، ونفي الصفة، ونفي الذات، ونفي العام، ونفي الخاص (73)، ولكنه لم يعرف النفي نفسه. وكلامه ـ على قصوره ـ أشفى للنفس من تعريف القاضي زكريا بن محمد الأنصارى الذي عرف النفي بالنفي فقال: "النفي قول دال على نفي الشيء" (74).

4 ـ مناقشة الكفوي في تعريفاته:

ذكر أبو البقاء في الجزء الخامس من كلياته مئات المسائل المفردة المتصلة بالنحو والصرف، والمضمخة بالمنطق وأصول الفقه، والقادرة على ضبط التفكير والتعبير بضوابط منطقية، وعلى تقييد الحدود والتعريفات بقيود تجعلها أقرب إلى الدقة، وتعصمها من اللبس، من ذلك قوله: الاستعمال الغالب يستدل به على الوضع والأصالة إذا لم يكن ثمة معارض" (75). وقوله: "الأحكام اللغوية لا يمكن إثباتها بمجرد المناسبات العقلية القياسية، بل لابد من أن تكون معتبرة في الاستعمالات اللغوية" (76). وقوله: "ترادف الأدلة على المدلول الواحد جائز" (77). وقوله: "مجرد الجواز العقلي لا يكفي في نقص التعريفات" (78) وقوله: "مجرد الجواز اتفاقاً" (79). وقوله: "المتضمن معنى الشيء لا يلزم أن يجرى مجراه في كل شيء" (80).

وقوله: "التعريفات لا تقبل الاستدلال لأنها من قبيل التصورات، والاستدلال إنما يكون في التصديقات" (81). وقوله: "التمثيل يثبت القاعدة سواء أكان مطابقاً للواقع أم لا، بخلاف الاستشهاد" (82) وقوله: "المشاركة في بعض الأحوال لا تنافي التخالف في الحقيقة" (83).

وقوله: "الاستغراق معنى مغاير للتعريف لوجوده حيث لا يتوهم هناك تعريف، نحو: كل رجل، وكل رجال، ولا رجل ولا رجال" (84).

ولم يكتف بهذه الضوابط المنطقية العامة وبأمثالها، بل حاول أن يحدّ نفسه، أي حاول أن يعرف التعريف، فقال: "الحدّ تارة يقصد لإفادة المقصود وحينئذ لا يذكر فيه الحكم، وتارة لإفادة تمييز مسماه عن غيره، وحينئذ يدخله الحكم، لأن الشيء قد يتميز بحكمه لمن تصوره بأمر يشاركه فيه غيره" (85).

ولك أن تعارض أمثال هذه المقاييس والموازين العقلية المفردة، فتقول: إنها ضوابط منطقية عامة، تضبط حدود الفلسفة وأصول الفقه كما تضبط حدود اللغة والنحو والصرف. وليس في اعتراضك ما يضرها، فإن جدواها في ضبط العلوم المختلفة لا تضعف لتعريفات النحو "فمن الحقائق التي تكاد تكون مستقرة عند الدارسين المنصفين أن العلوم العربية والإسلامية لا ينبغي أن يدرس كل واحد منها بمعزل عن الآخر، وذلك لأن هذه العلوم جميعها نشأت من أجل هدف واحد، هو خدمة النصّ القرآني الكريم. ومن ثمّ صدرت عن مصادر واحدة، وتأثرت بعقلية واحدة. ومن هنا كان التأثير المتبادل بينها جميعاً في المنهج وفي التطبيق وفي المصطلح وفي التعبير" (86).

فإذا كانت العلوم العربية والإسلامية تتقارض التأثير في المنهج وفي المنطق وفي المصطلح وفي التعبير، وهي حصاد أجيال متعاقبة، فكيف لا تتبادل التأثير وهي مجتمعة في عقل عالم واحد كأبي البقاء الكفوي؟ لقد كنا نودّ لو استطاعت مئات الضوابط التي ذكرنا عشراً منها أن تعمل عملها في المصطلحات النحوية التي ذكرها الكفوي في كلياته، فتكشف عنها اللبس ولا سيما في صياغة الحدود. ومطلبنا هذا المشروع سائغ، لأن الغرض الأول من تأليف (الكليات) جمع المصطلحات وتعريفها، شأنه في ذلك شأن التعريفات للجرجاني. ولو أن الكفوي كان على الدقة أحرص منه على الجمع لا هتدى بما في كتب الأصوليين من مقدمات تحدّ الحدّ وتبين أنواعه، وتحذر المشتغلين بالعلوم العقلية من الزلل في فهم المصطلح وإفهامه، وتقفهم على الأصول المتبعة في صوغ التعريفات. وحسبك أن تنظر في كتاب واحد من كتب الأصول ـ ومنها المستصفى من علم الأصول للغزالي ـ لتقف على القوانين الدقيقة التي استطاع الأصوليون ـ والكفوي واحد منهم ـ أن يضبطوا بها تفكيرهم، وأن يحتكموا إليها في وضع تعريفاتهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير