تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والسمة الرابعة الافتقار إلى الدقة في بعض التعريفات، ومخالفة الشروط التي نصّ عليها المناطقة والأصوليون في تعريفات أخرى. فقد يتراءى له التعريف صورة شعرية، تصرفه عن التعريف العلمي المنطقي، فيثبتها، وينسى ما أخذ به نفسه من شروط الحدّ الجامع المانع كقوله: "الأسماء المشتقة كالجماعة المتصاحبة من الناس" (103). فإن كان مقصده من هذه العبارات الإشارة إلى تحدّر المشتقات من جذر ثلاثي واحد فإنّ تعريفه غير دقيق، لأن الجماعة المتصاحبة قد تنتمي إلى أسر مختلفة ولو قال: كالعشيرة أو الأسرة الواحدة لكان كلامه أقرب إلى الصواب، ولكنه لا يكون تعريفاً حصيفاً.

وقد يضيق الكفوي بالتعريف المفصل، فيسقط الضوابط والقيود التي نصّ عليها الغزالي، فيدخل تعريفه الخلل، أو يعروه النقص. إن على الحادّ أن يذكر صفات المحدود الذاتية ولو بلغت أَلْفاً حرصاً على الدقة، والشيخ لم يكن حريصاً عليها في بعض الحدود. ومن ذلك قوله في تعريف المبتدأ: "كل اسم ابتدأته، وعريته من العوامل اللفظية فهو المبتدأ، وعامله معنى الابتداء" (104). وأدقُّ من هذا التعريف قول ابن هشام: "المبتدأ اسم مجرد من العوامل اللفظية، أو بمنزلته، مخبر عنه، أو وصف رافع لمكتفى به" (105) فقد جاء تعريف ابن هشام أجمع لصفات المبتدأ الذاتية، وأنفى للخل ل، وأبعد عن مزالق الزلل، يدلك على ذلك قوله في توضيح التعريف: "والذي بمنزلة الاسم: أن تصوموا وتسمع بالمعيدي، والذي بمنزلة المجرد من العوامل: (هل من خالق غير الله (" (106). فإن لفظة (خالق) جرت بـ (من) لفظاً، وإن كانت مرفوعة المحلّ على الابتداء، فهي ليست مجردة من العوامل اللفظية تجرداً تاماً، بل هي في منزلة المجردة.

والسمة الخامسة التناقض في بعض الأحيان. قال الكفوي في تعريف الحذف والإضمار:

"الحذف إسقاط الشيء لفظاً ومعنى، والإضمار إسقاط الشيء لفظاً لا معنى" (107) ثم قال في تعريف المضمر والمحذوف: "المضمر له وجود حقيقي، فإنه باق معناه وأثره أيضاً.

والمحذوف، وإن أسقط لفظه، لكن معناه باق، وينتظمه المقدر" (108). ألا ترى كيف ذكر في الجزء الثاني من كلياته أن الحذف إسقاط الشيء لفظاً ومعنى ثم ذكر في الجزء الرابع أنه إسقاط لفظيٌّ، وأن المعنى يبقى ولا يسقط؟

وسادسه السمات التعميم في إطلاق بعض الأحكام، وحرص المؤلف على ابتداء كثير من حدوده بلفظ (كل). وهذا التعميم يسقط من الحساب النادر والشاذ والضعيف، والمَنْبَهَةَ على الأصل، وضرائر الشعر، واختلاف اللهجات، ويحاول أن يقدّ الحدّ على قدّ المطرد، وحينئذٍ قد ينتهي الحدّ إلى مزالق منها افتقاره إلى الجمع والمنع، أو التواء عبارته، أو إرباك القارئ في الوقوف على دلالته، ولا سيما حينما يكون الحدّ عطلا من الأمثلة الموضحة. فإذا شفع التعريف بالمثال وضع مفتاح الفهم في يد القارئ، ومن ذلك قوله: "كل نفي أو شرط في معناه داخل على كل مضاف إلى نكرة فإنه يراد به نفي الشمول، لا شمول النفي" (109). "كل منطوق أفاد شيئاً بالوضع فهو كلمة" (110).

"كل كلام مستقل إنْ زدت عليه شيئاً غير معقود بغيره ولا مقتضى لسواه فالكلام باق على حاله نحو: زيد قائم، وما زيد بقائم" (111).

"كل كلام إنْ زدت عليه شيئاً مقتضياً لغيره معقوداً به فإنه عاد الكلام ناقصاً مثل قولك: إنْ قام زيد" (112).

ولعلّ شغف الكفوي بلفظه (كلّ) وما تدل عليه من تعميم واستقصاء وإحاطة كان أحد الأسباب التي جعلته يسمي كتابه هذا (الكليات)، فأصاب الجمال وأخطأ الدقة.

و ـ تلخيص واقتراح:

نخلص مما عرضنا إلى أن المصطلحات النحوية ظهرت في نهاية القرن الأول الهجري، ولم تكن في ذلك الوقت أكثر من براعم يسيرة صغيرة تمثل مقدار ما عرف النحاة الأوائل من علم النحو، وازدهرت في القرن الثاني حينما هيأ الله لدوحة اللغة والنحو من يتعهدها بالرعاية كالخليل وسيبويه والأخفش، ثم انعقدت ثمارها وآتت أكلها في القرن الثالث الهجري بعد أن نشب الخلاف واحتدم بين نحاة البصرة ونحاة الكوفة، وفي هذا الخلاف ظهر البصريون على الكوفيين، فرسخت مصطلحات البصرة، ودلّ رسوخها على أنها أدق من مصطلحات الكوفة وأحقّ بالبقاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير