تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذكر الغزالي في مقدمة المستصفى ستة قوانين يلتزمها الأصوليون في صوغ الحدود، وشفع كل قانون بمثال أو أكثر، وفرّع ما يحتاج منها إلى تفريع. أول هذه القوانين "أن الحدّ إنما يذكر جواباً عن سؤال في المحاورات" (87) وثانيها "أن الحادّ (أي واضع الحدّ) ينبغي أن يكون بصيراً بالفرق بين الصفات الذاتية واللازمة والعرضية" (88) والثالث "أن ما وقع السؤال عن ماهيته وأردت أن تحدّه حدّا حقيقياً فعليك فيه بوظائف لا يكون الحدّ حقيقياً إلاّ بها، فإنْ تركتها سميناه رسمياً أو لفظياً" (89) والرابع "أن الحدّ لا يحصل بالبرهان" (90) وخامس القوانين مخصص "لحصر مداخل الخلل في الحدود" (91) والقانون السادس" في أن المعنى الذي لا تركيب فيه البتة لا يمكن حدّه إلا بطريق شرح اللفظ أو بطريق الرسم" (92).

ونحن، على إقرارنا بأن الكاتب مسؤول عما يكتب، نُقرُّ في الوقت نفسه بأن القدر الأكبر من تعريفات الكليات النحوية مقتبس من كتب السابقين اقتباساً دقيقاً، سواء أصرح بذلك الكفوي أم لم يصرح، وعدم التصريح أغلب. فإذا قرأت تعريفه للمثنى بأنه "ما دلّ على اثنين بزيادة في آخره، صالح للتجريد، وعطف مثله عليه" (93) التمع في ذهنك تعريف ابن عقيل وغيره، وخيل إليك أنه مأخوذ من شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك. وإذا قرأت تعريف الضعيف الذي ذكرناه قبل تذكرت كلام الجرجاني في تعريفه، وهو قوله: "الضعيف ما يكون في ثبوته كلام، كقُرطاس بضم القاف في: قِرطاس بكسرها" (94).

وإذا كان الكفوي يغفل أسماء الكتب التي ينقل منها في كل حين، فإنه يذكر أسماء النحاة في بعض الأحيان. ومن ذلك قوله: "قال ابن سينا: الإرادة شرط الدلالة" (95)، وقوله: "دعوى دلالة الحرف على معنى في غيره، وإن كان مشهوراً، إلا أن ابن النحاس زعم أنه دال على نفسه في نفسه، وتابعه أبو حيان" (96).

وإغفال المصادر سمة تستطيع أن تسم بها أكثر كتب المتأخرين من المؤلفين ولا سيما الموسوعات العامة، وهذا الإغفال يعود على المؤلف بالضرر، لأنه يحمَّله أوزار السابقين.

والسمة الثانية التي تسم تعريفات الكفوي إغراقها في التجريد، لتأثرها الشديد بآراء المناطقة وأساليبهم في التفكير والتعبير، من ذلك قوله في تعريف النكرة: "هي ما لا يدل إلاّ على مفهوم من غير دلالة على تمييزه وحضوره، وتعيين ماهيته من بين الماهيات" (97). وتعريف النكرة عند الأقدمين، ومن بينهم ابن عقيل: "النكرة ما يقبل (أل)، وتؤثر فيه التعريفات، أو يقع موقع ما يقبل (ال) " (98). وتعريفها عند عباس حسن من المحدثين: "النكرة اسم يدل على شيء واحد، ولكنه غير معين" (99).

ومن تعريفاته المتأثرة بعبارات المناطقة وكلفهم بالألفاظ الشديدة التجريد، كالموجود بالفعل والموجود بالقوة، والعدميّ والوجوديّ، قوله في تعريف الضمائر المستترة: "الضمائر المستترة في الأوامر كلها لفظ بالقوة، أي: في قوة المنطوق به" (100). وقوله في باب التذكير والتأنيث: "تعريف المذكر عدمي، وتعريف المؤنث وجودي" (101).

والسمة الثالثة مزج بعض الحدود النحوية بالأحكام الفقهية. وعلة هذا المزج طبيعة الكاتب والكتاب، فإنّ فقه الكفوي بزّ نحوه أو طغى عليه، وإن كتابه موسوعة إسلامية عامة، لا يمكن فصل علم من علومها عن سواه من العلوم الأخرى. قال في تعريف التابع: "هو إنْ كان بواسطة فهو العطف بالحرف، وإن كان بغير واسطة، فإن كان هو المعتمد بالحدث فهو البدل، وإلاّ فإن كان مشروط الاشتقاق فهو الصفة، وإلا فإن اشترطت فيه الشهرة دون الأول فهو عطف البيان، وإلا فهو التوكيد ... والتابع لا يفرد بالحكم. ومن فروعها الحمل يدخل في بيع الأم تبعاً، ولا يفرد بالهبة والبيع. والتابع يسقط بسقوط المتبوع، ولهذا إذا مات الفارس سقط سهم الفرس (102) لا عكسه". وإذا تذكّرت أن السيوطي ألف الأشباه والنظائر في النحو على غرار تأليفه الأشباه والنظائر في الفقه، أدركت مبلغ امتزاج الفروع المختلفة للثقافة الإسلامية، وأسغت صنيع الكفوي أو سوّغته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير