تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

5. ومن صور النقد في العصر الجاهلي كذلك الحكم على عمل الشاعر بشكل عام، ومن ذلك "ما رويَ أن بعض شعراء تميم اجتمعوا في مجلس شراب، وكان بينهم الزِّبْرِقانث بنُ بدر المُخبَّل السعديّ وعَبَدةُ بن الطبيب وعمرو بن الأهتَم وتَذاكروا في الشعر والشعراء، وادّعى كلّ منهم أسبقيته في الشعر، فقال المحكَّم ربيعةُ بن حِذار الأسدي: أما عمرو فششعره برودٌ يمانية تُطوى وُنشَر، وأما الزِّبْرِقان فكأنه أتى جزوراً قد نُحِرَت فأخذ من أطايبها وخلطه بغيره، وأم المخبَّلفشعره شُهُبٌ من الله يُلقيها على من يشاء من عباده وأما عَبَدةُ فشعر كمزادة أحكم خرزُها فليسَ يَقطُرُ منها شيء".

6. الحكم على بعض القصائد بأنها بالغةٌ منزلة عليا في الجودة بالقياس إلى غيرها، فقد كانوا يتخيرون قصائد بأعيانها، ويخلعون عليها ألقاباً تُجمِل رأيَ الناقد أو الحَكَم فيها. ومن هذا النوع روى أبو عمر الشيباني أنّ عمرو بن الحارث الغساني أنشده علقمةُ بن عَبَدَة قصيدته:

طَحَابِكَ قَلبٌ في الحِسانِ طَروبُ بُعَيْدَ الشَّبابِ عَصرَ حَانَ مَشيبُ

وأنشدهُ النابغة:

كِليني لِهَمِّ يا أميمةَ نَاصبِ وَلَيلٍ أقاسيهِ بَطيءَ الكَواكِبِ

وأنشدهُ حسّان قصيدتهُ:

أَسألتَ رسمَ الدارِ أم لَم تَسألِ بَين الجَوابِي فالبُضَيعِ فَحَومَلِ

ففضلَ حساناً عليهما ودها قصيدته "البَتّارة" لأنّها بترت غيرها من القصائد.

7. كان لقريش دور في رقيّ النقد، وهذا من خلال بسط لغتها على القبائل الأخرى ووقوفها موقف الناقد المتخيّر في اختيارها أحسن الألفاظ والأساليب عند كل قبيلة، وتبعاً لذلك كان الشعراء ينظمون بلغتها، فما قبلوه كان مقبولاً ما رفضوه كان مرفوضاً.

النقد في صدر الإسلام

أولاً: النقد في عصر الرسول:

كانت الحياة الأدبية في عصر الرسول ضيقة النطاق؛ فانحصرت تقريباً في الهجاء والمدح والمفاخرات، وتبعاً لذلك فقد ضاق نطاق النقد أيضاً، لكنه اختلف عن العصر الجاهلي في كونه سار وفق معايير أخلاقية جديدة بحلية إسلامية، وأول من سار في هذا النهج كان الرسول – عليه الصلاة والسلام- حين يدور الحديث في مجلسه، فقد أعجب بالشعر إعجاب أصحاب الذوق السليم، وقد أثر عنه لكمات تعبّر عن مفهومه للشعر، فيقول: "الشعرُ كلام من كلام العرب، جزلٌ تتكلم به في بواديها، وتَسُلّ به الضغائن من بينها"، وقوله: "إنما الشعرُ كلام مؤلفٌ، فما وافق الحقّ منه فهو حسن، وما لم يوافق الحقّ منه فلا خير فيه"، وقوله: إنما الشعر كلامٌ، فمن الكلامِ خبيثٌ وطيّب". فقد دعا عليه اللام إلى العدول بالشعر عن طريقه الجاهلي وصبغه بالصبغة الإسلامية، فالشعر عنده كلام من جنس كلام العرب يتميز بالنظم، وتمتاز لغته وألفاظه بالجزالة وقوّة الأسر، وميزان الشعر عنده يتمثل في مدى مطابقته للحق، فالحسن ما وافقه والسيء ما لم يوافقه.

لقد فترت بواعث الشعر في تلك الفترة، خاصة عند من اهتدوا إلى الإسلام، وزاد في ذاك الفتور اشتراك بعضهم في الجهاد، فقد خلقهم الإسلام خلقاً جديداً، وصبغهم صبغة جديدة حتى انقطعت الصلة بينهم وبين الجاهلية. وقد صرف القرآن الكريم كذلك الشعراء عن الشعر، خاصة عندما بهرهم بروعة أساليبه وبلاغته، فآثروه على الشعر، وعَدَلوا عنه الخطابة للحاجة إليها في استنهاض الهمم لنصرة الإسلام، وتحريك النفوس والخواطر للجهاد.

لقد سار نقد الشعر في هذا العصر في ميدانين؛ الأول منهما بين الشعراء المسلمين وشعراء المشركين وفيه حكمَ القوم حتى الخصوم للمسلمين على المشركين. والثاني يتمثل فيما كان بين حسان بن ثابت وسائر شعراء المسلمين، فقد دان القوم بالتفوق لحسان لما كان له من قوة الشاعرية، وقد فضله الرسول على غيره، فانتدبه ليدافع عن أعراض المسلمين وبنى له منبراً في المسجد ينشد عليه أشعاره، وذلك لأنه أول وأفضل من وافق الرسول عليه الصلاة والسلام في موقفه من الشعر، وهو الذي يقول:

وإنّما الشِّعرُ لُبَُ المَرءِ يَعرِضُهُ على المَجالِسِ إنْ كَيْساً وإن حَمَقَا

وإنَّ أشعَرَ بَيتٍ أنتَ قائِلُهُ بَيتٌ يُقَالُ –إذا أنشَدتَهُ- صَدَقَا

ثانياً: النقد في عصر الخلفاء الراشدين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير