تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكطيب تركب من أخلاط من الطيب كثيرة فيستغرب عيانه ويغمض مستبطنه " (العيار ص14). فهو يتنبه لأهمية هضم الشاعر ما يقرأ ويحفظ، وإعادة إنتاجه إنتاجاَ جديداَ،له شكله الخاص وكينونته المميزة.

استواء الكلام واستواء النسج:

من المصطلحات التي تلتقي مع مفهوم النسج عند ابن طباطبا مصطلح "استواء الكلام" و"استواء النسج"،ونرجئ الحديث عن "استواء النسج" لحين الحديث عن مجالات النسج. أما استواء الكلام فقد ذكره في عقب إيراده قصيدة الأعشى فيما اقتصه من خبر السمو أل وعقب على القصيدة بقوله: " فانظر إلى استواء هذا الكلام، وسهولة مخرجه، وتمام معانيه، وصدق الحكاية فيه، ووقوع كل كلمة موقعها الذي أريدت له، من غير حشو مجتلب، ولا خلل شائن" (العيار ص75).

إن ملاحظات ابن طباطبا تنصب على الجانب الأسلوبي من القصيدة أو الجانب الشكلي منها. ولا تخلو من الإشارة إلى تمام المعنى، ونلحظ إشارته إلى حسن التأليف، الأمر الذي يوضح أن الاستواء يقع في التأليف والنسج وهو أمر متعلق أيضاَ بنظم الألفاظ وما يترتب عليها من معان.

ويمكن أن نعيد قراءة النموذج الذي ارتضاه ابن طباطبا لاستواء الكلام لنكشف عن خصائصه الأسلوبية. ففي قوله:

بالأبلق الفرد من تيماء منزله حصن حصين وجار غير غدار

تقديم و تأخير. وكذلك في قوله:

لا سرهن لدي ضائع مزق وكاتمات إذا استودعن أسراري

تقديم وتأخير.

ومن سمات النص الأسلوبية الفصل بين المتلازمين في مثل قوله:

وسوف يخلفه، إن كنت قاتله رب كريم وبيض ذات أطهار

وقوله:

والصبر منه، قديماَ، شيمة خلق وزنده في الوفاء الثاقب الواري

ومن الفصل الطويل بين البدل والمبدل منه قوله:

إن له خلفا، إن كنت قاتله وإن قتلت: كريماَ غير عوار

مالاَ كثيراَ وعرضاَ غير ذي دنس وإخوةَ مثله ليسوا بأشرار

فعبارة َ" إن كنت قاتله، وإن قتلت: كريماَ غير عوار" جاءت معترضة بين البدل والمبدل منه، خلفاَ: مالاَ، عرضاَ، إخوةَ. والعبارة المعترضة عبارة في غاية الأهمية لأنها تشير إلى القتل الذي يتوقعه السمو أل ويدافع عن اختياره الثكل على الغدر، لأن المقتول كريم لا عيب فيه. فالجملة المعترضة لا تغدو مجرد اعتراض، وإنما تصبح أساسية في الجملة الشعرية، وتتبادل الأدوار مع الجملة الأصل " إن له خلفاَ مالاَ كثيراَ ........ "، فيصبح الهامش مركزاَ، والمركز هامشاَ، في حركة لولبية، ينتفي بها المركز والهامش، مما يسهم في توليد الشعرية.

ومن السمات البارزة في القصيدة الإيجاز القائم على الحذف من ذلك قوله:

فشك غير طويل ثم قال له اقتل أسيرك إني مانع جاري

فابن طباطبا ليس ضد التقديم والتأخير أو الفصل أو الحذف أو الإيجاز، إذا لم يحدث لبسا وغموضاَ في المعنى.

وعدها من الأساليب التي يتحقق بها النسج،وهي تشير إلى مفهوم استواء الكلام عنده.

وقد اعتنى اللغويون والنحاة والبلاغيون والنقاد باستواء النص لغويا، وعدوه جانبا من جوانب الكشف عما في اللغة من توسع وإبداع ().

الكسوة:

ومن الأسماء الدالة على النسج أو النظم التي استخدمها ابن طباطبا "الكسوة" ومتعلقاتها. فقد استخدم "الكسوة" للتعبير عن الأسلوب الذي تؤدى به العبارة أو المعنى، فذكر أن للشعر أدوات يجب إعدادها قبل مرامه وتكلف نظمه منها: " إيفاء كل معنى حظه من العبارة، وإلباسه ما يشاكله من الألفاظ حتى يبرز في أحسن زي وأبهى صورة " فالإلباس هو الأسلوب الذي تؤدى به العبارة،و الذي يلعب دوراَ مهماَ في إظهار المعنى في أحسن زي وأبهى صورة، وهو يتحدث عن المعنى هنا فكرة عامة، فالذي يخصصها ويميزها عن غيرها الأسلوب اللغوي الذي تقدم به. ومهما ذهبنا إلى أنه لا فصل بين الأسلوب والمعنى، فإن أول ما يواجهنا هو الأسلوب الذي من خلاله نكتشف المعنى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير