تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يشاكل المعنى الذي يرومه أثبته وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفنون القول فيه بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه على تفاوت ما بينها وبين ما قبله، فإذا كملت له المعاني وكثرت الأبيات، وفق بينها بأبيات تكون نظاماَ لها، وسلكا جامعاَ لما تشتت منها. ثم يتأمل ما قد أداه إليه طبعه ونتجته فكرته فيستقصي انتقاده، ويرم ما وهى منه ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية " (العيارص7 - 8).

وليس غريباَ أن يستخدم ابن طباطبا مصطلح البناء، فمصطلح البيت الشعري هو أصلاَ بناء، والقصيدة بناء كلي يشمل أبنية جزئية. ونلحظ أن ابن طباطبا لا يفرق في عملية الخلق الشعري أو البناء الشعري بين المعاني والألفاظ والأساليب. أما المعاني التي يذكرها في قوله "مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثراَ"فإنه يشير إلى ما يمكن أن أسميه "الفكرة" في حالة تجريدها في الذهن، أو الخواطر التي يريد أن يعبرا لشاعر عنها. ويبدو أنه يقصد بمخض المعنى في فكره نثرا التجربة الشعورية الشعرية التي يمر بها الشاعر قبل عملية الخلق الفني،أو صناعة الشعر ونسجه كما يسميها ابن طباطبا. فالفكرة تتخلق في ذهن الشاعر شيئا فشيئا، ومن ثمّ تبقى عملية الولادة والخلق.فالمولود عندما يولد لا يخلق في لحظة الولادة، وإنما يتخلق ببطء في رحم أمه شيئا فشيئا،لكنه بالنسبة للآخر هو غير موجود وليست له هوية إلا بالولادة، وهكذا مخض المعنى وإعداد القوافي والوزن، فهي عمليات ذهنية مركبة، تتفاعل وتنمو إلى أن تأتي لحظة التدفق الشعري أو الخلق الشعري.

و نقد ابن طباطبا في مجمله يؤشر إلى رفع قيمة البناء (الأسلوب) الذي به يتشكل المعنى والذي يعطي المعنى وجهه الجمالي وكينونته.

وتشكل القوافي جزءا مهما من البناء،يقول عنها: " وتكون قواعد البناء يتركب عليها ويعلو فوقها " (العيار ص7)، فهو يتصور عملية الخلق الشعري عملية بنائية تمر في مراحل وأطوار ولابد للبناء من قواعد وأساسات يقوم عليها، وقواعد البناء الشعري القوافي. والقواعد تأتي قبل غيرها من أجزاء البناء، أي أن ابن طباطبا يرى أنه لا بد أن تكون القوافي مندمجة بالبيت الشعري، منسجمة مع المعنى والألفاظ وليست غريبة أو قلقة، يسبق حضورها في ذهن الشاعر حضور غيرها من أجزاء البيت في أثناء عملية الخلق الشعري، فالشاعر ينطلق في عملية بناء الشعر من نقطة مركزية هي القافية، وهذا هو التصور النظري لعملية الخلق الشعري وعلاقته بالقافية. وليس بالضرورة أن يسبق حضور القافية في ذهن الشاعر حضور غيرها، إنما أراد ابن طباطبا أن يشير إلى مدى تجذر القافية في البيت الشعري وعدم قلقها لأنها هي آخر ما يطرق الأسماع ويرد على الأفهام من البيت الشعري، فإما أن تكون موضع استحسان أو استقباح، و بها يتم المعنى ويصل المتلقي إلى حالة الاهتزاز أو الاستحسان.

ويفرق بين الأشعار الجيدة والرديئة من خلال أنواع الأبنية، يقول: " فبعضها كالقصور المشيدة والأبنية الوثيقة الباقية على مر الدهور، وبعضها كالخيام الموتدة التي تزعزعها الرياح، وتوهيها الأمطار، ويسرع إليها البلى، ويخشى عليها التقوض ". فهو يفرق بين الأشعار الجيدة والرديئة أو الضعيفة من حيث البناء والتأليف.

وتنبه ابن طباطبا إلى أن البناء قد يحمل قيمة ذاتية بقطع النظر عن قيمة المعنى، يقول: " وليس يخلو ما أودعنا –اختيارنا، المسمّى "تهذيب الطبع" من بناء إن لم يصلح لأن تسكن الأفهام في ظله لم يبطل أن ينتفع بنقضه فيعد لبناء يحتاج إليه " (العيارص12). فمن خلال استخدامه المجازي للبناء والظل والسكن يؤشر إلى أن البناء هو الهيكل أو التأليف أو النظم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير