إن من يزعم أن وجود مقاطع من آي القرآن الكريم تتطابق مع أوزان بعض أشطر الشعر دليل على أن القرآن شعر فهو ضال مضل، إذ مقتضى ذلك أن كل كلام العرب شعر، فليس هناك من كلام عربي لا تتطابق أجزاء منه مع هذا الشطر الشعري أو ذاك.
وهنا مقطع آخر من كلامي في حوار مع الأخ الأستاذ العروضي محمود مرعي:
ثانيا- قولك: " يعني ضمن ما يعنيه أن بعض الحكمة من الشعر، هذا من ناحية، فإذا وجدنا أن المثل جمع إلى جانب كونه حكمة الوزن العروضي والايقاع، لم يعد مجال للشك أن المثل إياه بيت شعر أو شطر بيت، بل يصبح الشك إن أبينا قبوله في دائرة الشعر، لأنه برأينا من صلب الشعر، وعملية التقطيع العروضي تحدد وزنه وبحره الذي يندرج ضمنه."
هنا مجموعة مقولات أعطيت حكما واحدا
1 - أن في المثل حكمة من حيث المضمون، وهذا صحيح
2 - أن من أروع الأمثلة ما ورد في أبيات من الشعر، وهذا صحيح
3 - أن معظم عبارات الأمثال ذات صياغة راقية ووقع مستحب على السمع، وهذا صحيح
4 - قولك:" وهذه الأمثال من ناحية الموسيقى والايقاع والوزن العروضي، كلها سائغة سماعيا، وقابلة للتخريج العروضي." وهذا صحيح
ولكن ذلك ينطبق على كثير من الكلام العادي، فكلام العرب أغلبه إن لم يكن كله مكون من ذات المادة التي يتكون منها الشعر، ووجود كلام موافق لشطر من الشعر أو قابل للتحريج على نحو يظهر صلته بالشعر (شطر منه) وارد في كل الكلام.
خذ مثلا بداية مقدمتك:" الحديث مشهور رواه أصحاب الصحاح وغيرهم، ورواية المؤلف ملفقة من روايتين، فقد وردت كل جملة من طريق، فأما الجملتان معا فقد جاءتا في حديث ابن عباس عند أحمد وابن ماجة "
الحديث مشهور رواه أصحاب الصحاح وغيرهم،
2 3 3 2 2 3 3 2 2 3 1 3 3
الحديث مشهورُ = 2 3 3 2 2 = فاعلات مستفعلْ = مفعلاتُ مستفعلْ
وعليه
الحديث مشهور ..... والضياء والنورُ
دمت يا أخي سنداً .... أنت للحمى سورُ
رواه أصحاب الصحاح وغيرهم = 3 3 4 3 1 3 3 = الكامل
ورواية المؤلف ملفقة من روايتين،
1 3 3 3 1 1 3 1 3 2 3 3 ه
رواية المؤلفِ = 3 3 3 3 = مجزوء الرجز
لِفِ ملفقةٌ من روا = 1 1 3 1 3 2 3 = اللاحق (لاحق خلوف) = متعلن فعلن فاعلن
فقد وردت كل جملة من طريق
3 1 3 2 3 3 2 3 2
فقد وردت كلّ جملَهْ = 3 1 3 2 3 2 = مجزوء المتقارب
وردت كل جملة من طريقِ = 1 3 2 3 3 2 3 2 = الخفيف
فأما الجملتان معا فقد جاءتا في حديث ابن عباس عند أحمد وابن ماجة
3 2 2 3 1 3 3 2 3 2 3 2 3 2 2 2 3 3 2 3 2
فأما الجملتانِ = 3 2 2 3 2 = (الهزج الرابع عند الشيخ جلال يرحمه الله)
فأما الجملتان معا فقد جا = 3 2 2 3 1 3 3 2 = مفاعلْتن مفاعلَتن فعولن = الوافر
معا فقد جاءتا في حديـ = 3 3 2 3 2 3 = متفعلن فاعلن فاعلن = لاحق خلوف
فقد جاءتا في حديثٍ = 3 2 3 2 3 2 = مجزوء المتقارب
ديث ابن عباس عند أحمدْ = 2 2 3 2 2 2 1 2 2 = مستفعلن مفعولاتُ مستفْ
وعليه صدر الشاهد:
فسر بودٍ أو سر بكرهٍ ...... ما سارت الذلل السراع
جاءتا في حدي ابن عبْ = 2 3 2 3 2 3 = مجزوء المتدارك
عند أحمد وابن ماجهْ = 2 3 3 2 3 2 = 2 + (المجتث) = مفعلات مستفعلاتن = تخريج عروضي
يا جميلةً لا تزالي = كالمثال دوما ببالي
أيّما ديار حللتِ = منك عطرها في انثيال
وهكذا ترى أخي أن ما في الأمثال من موافقات عروضية عام في سائر اللغة
.
بل واسمح لي أن أختم هذه الفقرة بهذه المداعبة العروضية:
ثاني أكسيد الكربونْ = 2 2 2 2 2 2 ه = خبب
بكم سندوتش الفلافل = 3 2 3 2 3 2 = مجزوء المتقارب
5 - القول " لم يعد مجال للشك أن المثل إياه بيت شعر أو شطر بيت، بل يصبح الشك إن أبينا قبوله في دائرة الشعر، لأنه برأينا من صلب الشعر"
وصحة ما تقدم لا تقوم دليلا على صحة هذه المقولة. فلا ترابط علميا ملزما بين المقدمات وهذه النتيجة.
ثالثا –قولك: " وهناك قول بما معناه، " ما وصلنا من شعر العرب إلا أقله "، أما لماذا وقف الخليل عند ما أورد، فأمر لا نعلمه ولا نحكم فيه، ثم إن عدم ورود هذه الأوزان في الدوائر، لا يعني أن العرب لم تعرفها، لأن ورودها في الأمثال السائرة والشوارد الباقية المسافرة عبر الزمان، دليل واضح أن العرب عرفت هذه الايقاعات والأوزان."
¥