تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المعرفى والمنهجى الصافى الحاسم، كما فقدت فكرة الموضوعية الاتساقية، والمنهجية الصارمة، وصار جل وكدها أن تعلى احتمالا على احتمال آخر، أو ترشح ترجيحا على ترجيح أقل منه رجاحة وهكذا صارت الحقيقة أيا كان شكلها ونمطها هى مجمل الظروف الثقافية والسياسية والاجتماعية التى تصنعها، وليست هى اليقين البشرى الثابت الذى لا يتزحزح، نرى هذا أيضا لدى أقطاب فلاسفة العلم المعاصرين أمثال فير أبند وإمرى لاكاتوش وأومنيس رولان ودبليو كواين وتوماس كون وريتشارد روترى وغيرهم، ودخلت بنية العلوم التجريبية نفسها إلى منطق فلسفى جديد يغاير بالكلية المنطق الصورى والمنطق الرمزى والرياضى السائد فقد توطن فى الجهاز المعرفى المعاصر مايعرف الآن بالمنطق البينى الغائم وما يبثه من أنساق متعددة للقيم كلها صحيح ودخلنا عوالم ما يعرف بالفئات الغائمة، وفئات اللاتحدد واللادقة، ومنطق الشواش أو علم الشواش، لقد انتقلت بنية المعرفة من التجريبية الوضعية، والعقلانية الموضوعية وما يحتمانه من المعنى الواحد، والواقع الواحد، إلى التعددية الواقعية، والموضوعيات الواقعية التخييلية، وتغيرت تبعا لذلك فكرة الحد الجمالى نفسه فى بنية الفنون جميعا، سواء من جهة الحد البنائى أو من جهة الحد الجمالى، حيث تفتت فكرة المركز الجمالى الواحد والوحيد، وصار المركز الجمالى فى الفنون كامنا فى المناطق الجمالية الصامتة، والفجوات التخييلية الغائبة، أكثر من كمونه فى سطح النص وظواهرها الأدبية الخاضعة لتصورات المناهج النقدية المتعددة. ولقد غاب عن الأستاذ الأنشاصى ـ وغيره من النقاد المعاصرين حتى لا يكون كلامنا عن أفراد بعينهم ـ أن فلسفة الأشكال الجمالية ـ وفلسفة أشكال الالتفات منها ـ أو حتى العلمى التجريبى تمثل فى جوهرها البعيد والقريب معا فلسفة اللغة والواقع والهوية والعالم، ولا يمكن لشكل قديم مهما كانت جدارته أن يستنضب حس تشكيلى حداثى!! فلن تستطيع الأشكال الجمالية الموروثة لمصطلح الالتفات العربى أن تحل محل الأشكال الجمالية التجريبية لهذا المصطلح فى الأشكال الجمالية المستحدثة للشعر العربى المعاصر، فكم توهمنا أننا نستطيع تعبئة العسل البرى القديم فى جرار جديدة، وتناسينا أن القديم والجديد مسألة تنال كل شىء فى الوجود والثقافة دفعة واحدة دون تلكؤ أو انفصال، فالالتفات تشكيل جمالى ضمن تشكيلات جمالية أخرى تكون البنى الجمالية البنائية للنصوص، ولا يمكن لمفهوم الالتفات فى بنية الشعر أن ينفصل عن فلسفة الزمنية الجمالية التى ينبنى فيها النص، فالالتفات البصرى زمنيته كتابية تشعبية تداخلية تحل فى بنية التشظى الزمنى المعاصر ومفهوم التشظى هنا لا يعنى الفوضى بل يعنى التأسيس لمفاهيم وتصورات أكثر جدلا وسعة لمفاهيم اللغة والواقع والذات والمنطق والمنهج، ففى بدابة الكتاب لم يكتب الأستاذ خالد كلمة واحدة عن الفروق الجمالية والمعرفية والمنطقية والنقدية الحاسمة بين مفهوم الالتفات فى الثقافة الشعرية القديمة ومفهومه فى الثقافة الشعرية الحديثة ناهيك عن الحداثية، ولم يطلعنا عبر تماسك معرفى منهجى بنائى واضح على الفروق بين إلتفات بلاغى تقليدى قائم على مفهوم الجملة والفقرة والنص بل حتى التناص وبين مفهوم التفات حداثى قائم على مفهوم الكتلية الكتابية النصية، والانتقال من نحو الجملة إلى نحو النص، ومن النحو الشفاهى إلى النحو الكتابى، ومن التشكيل الاتساقى الداخلى والتشكيل الزمنى الانفراطى التعددى التشعبى المفتوح، بما يقربنا من مفهوم كتابة اللذة لا لذة الكتابة كما يوضح بارت مثلا وغيره من النقاد، وفى غيبة البعد التنظيرى المعرفى، والتشكيلى الجمالى الذى يؤسس للطفرات التشكيلية النوعية بين بلاغة الالتفات فى الشعرية العربية القديمة، ومفهوم بناء الالتفات فى الشعرية العربية الحداثية، تسقط فكرة النظرية الجديدة بل يسقط معها حتى الوعى بما طرأ على الجماليات العربية المعاصرة من مستحدثات تركيبية وتجريبية جديدة هى بالأساس تغير جذرى فى رؤية الواقع والعالم وتغير مفاهيم العقل والذات والواقع والثقافة والتاريخ والنص بالتبعية، فقد صار الواقع يكتب بالبياض او قل بالفراغ، كما يكتب بالسواد أو قل بالملاء الترميزى العام، وصار الوعى واللاوعى البشرى محض بنية لغوية رمزية احتمالية ضمن بنى أخرى كمينة وممكنة، فالعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير