تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعالم والذات والواقع والنصوص توجد فى اللغة وما رواء اللغة أيضا، وتتأسس بلاغة الأشكال بالمعنى واللامعنى أيضا، بعد أن صارت اللادقة واللاتحدد والغموض والفوضى والاحتمال بنى علمية تأسيسة للعقل المعرفى المعاصر، وكان من الحتم اللزام تغيير فلسفة الشكل الشعرى من جماليات الشفاه والسماع والبناء، إلى جماليات الكتابة والتأمل والنقد والتفكيك، حتى نرى الأشكال الوجودية الأخرى الكمينة للذات والواقع والثقافة، لقد تغير العلم والمنهج ومنطق العالم وكان لابد من تغيير فلسفة الشكل الأدبى، وأظن أن النقلة المفهومية لمصطلح الالتفات فى الجماليات العربية له علاقاته الوثيقة بالتغيير العميق الذى طال فلسفة اللغة وفلسفة الجمال المعاصرة، بعد أن تنقلت الجماليات المعاصرة من مفهوم كتابة العنصر إلى مفهوم كتابة الكتلة، ومن مفهوم البناء إلى مفهوم تفكك البناء، ومن مفهوم الاتساق الزمنى إلى مفهوم التشظى الزمنى، وتوسيع حد العقل واللغة والمعنى بوصفه تدشينا دلاليا مؤسسيا عاما بعد إدخاله فى حد اللامعنى بوصفه إمكانا دلاليا ممكنا فى الواقع ولكنه أرغم على النبذ والإقصاء للإكراهات الترميزية العامة المسيطرة على الواعى والمعنى والدلالة، أظن كل ذلك قد أدى بالشعرية العربية الحداثية أن تغير من مفهوم الالتفات، ولقد اطلعت على ما كتبه الدكتور عبد الناصر هلال فى كتابه المعنون (بالالتفات البصرى)،فحمدت له هذا الوعى النقدى الواضح والمتماسك بجوهر مصطلح الالتفات فى الخطاب النقدى والشعرى المعاصر، وبالفعل كان الدكتور عبد الناصر سباقا حسب علمى المحدود إلى إعطاء هذا المصطلح وجوها تطبيقية عديدة فى الشعرية العربية المعاصرة، ـ ولكنى لابد أن اعترف هنا للأمانة العلمية بأننى لم أتشرف بمقابلة الزميل خالد الأنشاصى حتى أستمع إليه أيضا فى ذات التاريخ الذى قابلت فيه الأستاذ الدكتور عبد الناصر هلال ـ ولا يهمنى هنا من السابق أو اللاحق إلى صوغ المصطلح، خصوصا أن المصطلحات سياقات حضارية وجمالية معقدة، ومن هنا فلا يهمنى من السابق: هل الأستاذ الدكتور عبد الناصر هلال أم الزميل الفاضل الشاعر خالد الأنشاصى، كما أحبت أن تشعل بعض الصحف فتيل الفتنة بينهما من هذا الباب غير العلمى ولا المنهجى، ولكن ما يهمنى هنا إقرار حقيقة منهجية وهى ضرورة الوعى العلمى الجاد بأن المصطلحات الجمالية والمعرفية ليست تركة رمزية فردية يتملكها بعض الأفراد دون بعض، فالمصطلحات تجرنا ـ كما قلت فى دراسة سابقة لى عن ـ مصطلح التجريب فى الخطاب النقدى العربى ـــ تجرنا إلى سياقات زمانية ومكانية وثقافية وتجريبة جد معقدة ومتداخلة، فمناقشة أزمة المصطلح فى الخطاب النقدى المعاصر، تقع فى العمق من الواقع الحضارى والثقافى العربى المعاصر، ذلك أن المصطلح كما يقول عبد العزيز حمودة ((ليس مجرد نحت كلمة، أو تحديد لفظ، أو ترجمة مدلول)) فالكلمات أيضا سياقات فكرية وحضارية ورؤية معقدة للعالم، فالمصطلح تركيبة معرفية وجمالية وثقافية متشابكة ومتفاعلة، تتناوبها سياقات شتى لا تكف عن الحراك والجدل والتغير والتبدل، هذه التركيبة المعرفية المعقدة، دائما تتراوح داخل الثقافة الواحدة، أو فى علاقتها الجدلية مع الآخر فى صور تتناوب بين النسبى والمطلق، والكلى والجزئى، والخاص والعام، والثابت والمتحول، وذلك ضمن سياقات متعددة متجادلة جمالية وفلسفية وحضارية وثقافية، لا تكف عن التحول والتغير، ولعل ذلك يعلل لنا من بعض الجوانب هذه النزعة الإنشائية المجوفة من الدلالة، للمصطلح فى الخطاب النقدى العربى المعاصر، وقد تنبه إلى هذا الهدر اللغوى غير المسؤول ـ وربما أقول المقصود كثير من نقادنا الكبار، ولكن ما يهمنا هنا بخصوص العراك النقدى الدائر بين الزميل الشاعر خالد الأنشاصى والزميل الدكتور عبد الناصر هلال هو أن المصطلحات ليست ملكا فرديا بل هى هموم زمانية جماعية مؤسسية تنفى فكرة الفردية العبقرية فى صك المصطلح، وتؤكد الجهود الجمالية والمعرفية الجمعية التى قد تتبلور بصورة واضحة متناسقة لدى ناقد فرد يكون أكثر إلماما وقدرة وأصالة فى الوصول بالمصطلح إلى حالة النضج الجمالى الواجب، وهذا ما نتخذه معيارا نقديا وجماليا ومعرفيا بين الزميلين الفاضلين لتقييم كتابيهما، يقول الدكتور عبد الناصر هلال بخصوص رؤيته لمصطلح ((الالتفات البصرى)) ((لقد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير