تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

استعمالُه ... ) قلتُ: كما قالُوا: (فقيرٌ)، ولم يقولوا (فقُر). أو يكون من بابِ (حريص) فيكونُ فِعلُه من بابِ (فعَل) وصفتُه المشبَّهة على (فعيل)، كـ (حرَص) فهو (حريص). وهو شاذٌّ.

الثاني: أن تكونَ الياءُ ياءَ النسب الحقيقية، أفادت النِّسبة إلى ما اتصلت به حقيقةً. وهو مردودٌ بما سبقَ. ويأتي شيء من الكلام عليه في الوجه الثالث.

الثالث: أن تكونَ الياءُ ياءَ النسبِ الحقيقيةِ، لم تفد معنًى؛ وإنما هي من قبيلِ التصرُّف والتوسُّعِ في الكلامِ. فإن قلتَ: كيفَ وقد بينتَ آنفًا أنَّ ياءَ النسبِ لا بدَّ أن تفيدَ نسبةَ ما لحِقته إلى الموصوفِ؟ قلتُ: إنَّ الأصلَ في النسبِ أن يَّكونَ إلى غيرِ المشتقِّ، لأن المشتقَّ دالٌّ على معنًى وصاحبِه؛ فإذا قلتَ: هذا أمرٌ رئيسٌ. كنتَ وصفتَ الأمر بأنه ذو رئاسةٍ؛ فتكونُ قد نسبتَ إليه بدِلالةِ البِنيةِ؛ فلا تحتاجُ من بعدِ إلى ياءِ النسبِ. وإذا قلتَ: هذا كتابٌ أدبٌ. لم يكن كلامًا، لأنّ (أدَبًا) ليس بمشتقٍّ، فيدلَّ ببِنيته على النسبةِ؛ فلا تجد بدًّا من النسبةِ بياءِ النسبِ؛ فتقولُ: (هذا كتابٌ أدبيٌّ) فتقومُ الياءُ مَقامَ اسم المفعولِ؛ كأنك جئتَ بمشتقٍّ اسمِ مفعولٍ؛ فقلتَ: (هذا كتابٌ منسوبٌ إلى الأدبِ).

فإذا علمتَ هذا انبغَى لك أن تعلمَ أنك إذا نسبتَ إلى الاسم المشتقِّ كنتَ ناسِبًا إلى مَن قامَ به المعنى. وهذا بحسبِ التقسيمِ العقليّ إما أن يَّكونَ مرادًا، وإما أن يَّكونَ غيرَ مرادٍ؛ فالأول لا إخالُه يقعُ في الكلامِ، إلا أن يَّكونَ غلبَ على المشتقِّ الاسميةُ؛ فلا تقولُ: هذا شارعٌ رئيسيٌّ. لأنك نسبتَ إلى (الرئيس)، وهو وصفٌ لا يُعلَم موصوفُه؛ أي مَن قامَ به المعنى. فإن غلبَ على المشتقِّ الاسميةُ بأيِّ سبيلٍ جازَ لك ذلك لتعرُّف موصوفِه، كما تقولُ: (هذه قصةٌ واقعيةٌ) تنسبُ القصةَ إلى الشيءِ الواقعِ، وذلك لتعرُّفِ صاحبِ المعنى من قِبَلِ عمومِه؛ وهو أحدُ سبُلِ انتقالِ الكلمةِ من الوصفيةِ إلى الاسميةِ.

وإما أن يَّكونَ غيرَ مرادٍ، فلا يصِحُّ لمخالفتِه قانونَ النسبِ، إلا أن نجعلَ ما وردَ محمولاً على ذلكِ من قبيلِ الشذوذِ. ولنا أن نعلِّلَ له – وإن كانت العلةُ قاصرةً – بالتوهُّم، أو الغلَطِ المحضِ.

الرابع: أن تكونَ الياءُ على صورةِ ياءِ النسبِ، وليست بها؛ فلا تفيدُ إذًا معنًى. وهو قولُ أبي عليٍّ الفارسيّ، وهو المختارُ عندي. فإن قلتَ: كيفَ وهي منسوبةٌ إلى اسمٍ تامٍّ؛ تقولُ: (أحمريّ)، فترفع الياءَ، فترجع إلى (أحمرَ). قلتُ: ليس هذا بمرادٍ؛ وإنما هو من بابِ الاتفاقِ لا القصدِ. ولو كانوا يريدونَ النسبَ لاختلَف المعنى؛ فدلَّ ما لحِقته على النسبِ، ولم نجده كذلك. ومثالُه قولُهم في التصغير (كُميت)؛ فجاءَ على صورةِ التصغيرِ مع أنه ليس بتصغيرٍ؛ فهذا يشهَدُ لذاكَ. فعلى هذا يكونُ (أحمريّ) كـ (كرسيّ) و (بختيّ) و (داذيّ) [وهو الخمر] غيرَ منسوبٍ إلى (أحمرَ) كما أنها غيرُ منسوبةٍ إلى (كرس) أو (بخت) أو (داذ).

- مسئلةُ القياسِ والسماعِ على ذلك:

لو قلنا بالوجهِ الأولِ؛ فسلمنا أن الياءَ أفادت المبالغةِ في ما اتصلت به من الكلمِ المشقِّ المسموعِ، فإن هذه العلةَ كالاعتباطيةِ؛ والعلةُ الاعتباطيةُ – كما بينتُها في كتابٍ لي في أصولِ النحو وعللِه – هي ما يعتدُّ بها العربيّ في موضعٍ، ولا يعتدُّ بها في مثلِ ذلك الموضعِ مع عُروضها له. كما فعلوا في جموعِ التكسيرِ؛ فجعلوا لبعضِ الأسماء جموعَ قلةٍ، ولأخرى جموعَ كثرةٍ، ومنها ما جعلوا له جموعَ قلةٍ وجموعَ كثرةٍ. وهذه العلةُ لا يقاسُ عليها؛ إذ لو كانت علةً محكَمةً راسخةً لقاسوها هم؛ فلمَّا استغنوا عنها، ولم يأخذوا بقياسِها، كانَ علينا أن نتبعَهم في ذلكَ، لأنَّ اللغةَ ليست كلُّها سماعًا. وقد أخطأ مَن زعمَ ذلك. وإذا نحنُ نظرنا في مسئلة (أحمر) و (أحمريّ) وجدنا أنَّ ما وردَ من بابِها قليلٌ، وأكثرُه قابلٌ للتأويلِ؛ فلو سلمنا أنه وردَ منه ثلاثونَ كلمةً غير مُئولةٍ – وليس كذلك -، فأينَ هذا في جنبِ مشتقاتِ العربيةِ التي لا يكادُ يحصيها عدٌّ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير