تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقوله تعالى: ((ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينةٍ وإن الله لسميع عليم))

ولأن إخفاء الخلاف والظهور بمظهر الو حدة والائتلاف سبيل المغضوب عليهم حيث وصفهم خالقهم في كتابه المجيد: ((تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون))

فلو كانوا يعقلون لعملوا على اجتثاث الخلاف من أصوله فتوحدوا، ولم يقروا الخلاف، ويظهروا أمام خصومهم بمظهر الوحدة، فإذا مادت الأرض من تحتهم أتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم.

وعليه فإن الدعوة إلى إخفاء الخلافات بين العاملين للإسلام عن الناس دعوة إلى الاهتداء بسنن المغضوب عليهم، والذين أمرنا بمخالفتهم، وحذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم من التشبه بهم والسير على خطواتهم.

ولأن إخفاء الخلاف أمر مهلك للأفراد والجماعات وسبب انقراض المجتمعات وسقوط الحضارات ومورث للعلن الذي لحق ببني إسرائيل بسبب عدم تناهيهم عن المنكر كما أخبر سبحانه: ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه .. ))

إن معرفة مواطن الخلل وتصحيحه هي سلامة في البناء وصلابة في القاعدة وإقامة للمجتمع على تقوى الله ورضوانه وان التستر عليها والسكوت عنها بحجة عدم التشويش في الوسط الإسلامي أو في المنتديات وعدم خلخلة الصف المؤمن من أوهام الإنسان وتلبيس الشيطان.

والحقيقة إننا لسنا بمنآ عن العلل التي أصابت الأمم الماضية والمجتمعات الخالية قال صلى الله عليه وسلم " سيصيب أمتي داء الأمم. فقالوا: يا رسول الله وما داء الأمم؟

قال: الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي " رواه الحاكم

وهل نستسلم للفرقة ونأخذها على إنها أمر واقع لامحالة

الفرقة وإن كانت واقعة لا مفر منها إلا أننا مكلفون شرعاً بالأخذ بأسباب القضاء عليها؛ قال تعالى: ((وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون))

وقال تعالى: ((وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون))

، لقد بين الله في هاتين الآيتين طريق الوصول إلى كلمة سواء وذلك بفعل ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه الله، فعين الغاية وحدد الوسيلة وهما العبادة الصحيحة التي تثمر التقوى التي تحجز العبد فلا يتعدى حدود الله قال سبحانه: ((واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا .. )).

إذاً لابد من فتح باب الحوار والنقد والمناصحة على مصراعيه لتصب كل الخيرات في مجرى الحياة الإسلامية وتسد كل الثغرات ويشعر كل العاملين بالرقابة التي تحققه ممارسته الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن عملية النقد والمناصحة والتقويم والمراجعة ليست بدعاً جديداً في المجتمع الإسلامي

بل إن المنهج القرآني والتدريب النبوي اللذين صاغا الجيل الرباني بلغ الذروة في ذلك المدى الذي لم يدع مجال للشك والالتباس أو التخوف،

لقد تناولت عملية التصحيح والتقويم الرسول القدوة في بعض ما رآه قبل أن ينزل عليه الوحي ومع ذلك لم يكتم الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك وكذلك عرض القرآن جوانب الخطأ والتقصير على المستوى الفردي والجماعي عندما كان يربي الجيل الرباني الفريد ليكون الجيل القدوة.

فهل نحن أفضل من رسولنا وقدوتنا وأفضل من صحابته الكرام والسلف الصالح؟؟

الخلاصة

- إن حراسة القضية الإسلامية وبناء قاعدة المجتمع الإسلامي الصلبة وتربيتها على الإسلام الصحيح إنما كانت بالتقويم الدائم والتبصير بالأخطاء ليتم استدراكها فتستقيم المسيرة الإسلامية لتبلغ غايتها بإذن ربها

- إن كثيرا من الذين يحذرون عملية النقد والنصح ويحذرون منها لا نشك في إخلاصهم ولكننا نشك في إدراكهم للحق والصواب، ولذلك فإن الإخلاص وحده لا يكفي لبلوغ الغاية فكم من مريد للخير لم يبلغه، ولكن من يتحرى الخير يعطه ومن يتوقى الشر يوقه.

- إن عملية النصح لا تقل أهمية عن الإخلاص ان لم تكن هي الإخلاص نفسه، لقد كان منهج المحدثين الذين اخذوا على عاتقهم بتوفيق الله لهم القيام بالدفاع عن السنن فوضعوا علم الجرح والتعديل هذا العلم الذي لو ألتزمه المسلمون العاملون المعاصرون في حياتهم لكانوا اقرب للصواب، فبعض الرواة الذين كانوا أصحاب عبادة أناء الليل وأطراف النهار حيث لا يتطرق الشك إلى إخلاصهم، ومع ذلك ردت روايتهم لعدم قدرتهم على الضبط ولسيطرة الغفلة عليهم ولقد بلغ الإخلاص ببعضهم أن يضع أحاديث لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعندما سئلوا عن قوله صلى الله عليه وسلم: "من كذب على متعمداً فليتبوا مقعده من النار"

قالوا: نحن ما كذبنا عليه وإنما كذبنا له!

قال ابن كثير رحمه الله في " اختصار علوم الحديث": (وهذا من كمال جهلهم وقلة عقلهم وكثرة فجورهم وافتراءهم فإنه صلى الله عليه وسلم لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره).

إذاً فكان ذلك محل رفض لأن الكذب له كالكذب عليه، ولا فرق ولو اختلفت الدوافع فإن النتائج واحدة والأعمال بخواتيمها، وليعلم هؤلاء أنهم كالأم الرؤوف التي بلغت غيرتها ومحبتها لوليدها الوحيد إلى عدم تقويم سلوكه وتربيته حفاظاً على شعوره فلما بلغ السعي الفته عاجزاً عن حل مشكلاته، هذه المحبة الناقصة قد تودي إلى هلاكه لأن هذه الأم حالت بينه وبين من يتعاهده ويرعاه خشية ان يخاف من مقابلته أو يتألم من علاجه

- إن الخطأ في المعالجة وغياب الموعظة الحسنة عند بعض القائمين بهذا الامر لا يسوغ للآخرين المطالبة بإلغاء النصح لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم بحجة فقدان السلوك القويم والأسلوب الرشيد وفظاظة الذين يمارسونها وإنما ينبغي إلغاء الفظاظة والغلظة وتهذيبها بمكارم الأخلاق الذي بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليتمها ولذلك لابد من وجود الطائفة المنصورة القائمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوارثة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجيل القدوة الأول الدين بقضه وقضاضه المستمرة في الثبات عليه غير خائفة لومة لائم ولا شماتة شامت حتى يأتي أمر الله بالنصر والتأييد.

كتبه الربيع الأول بتصرف من كتاب وجوب الرد على المخالف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير