قولك: "فلقد ادعى أولاً أنَّ الأشاعرة قد رفعوا النقيضين ... وهما الكون داخل العالم أو خارجه ... ويلزم من هذا بمفهوم المخالفة أنَّ الله سبحانه وتعالى خارج العالم, وكلمة (خارج) إنَّما هي هنا ظرف مكان .... فلا تكون دالّة إلا على المكان ... أعيدوا النظر مرات ومرات لتجدوا الاضطراب في كلامه هذا والسفسطة التي تأباها عقول العامة، فضلا عن عقول الخاصة.
قال أبو حنيفة: " من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقد كفر، وكذا من قال: إنه على العرش، ولا أدري: العرش في السماء أو في الأرض".
وقال الأوزاعي: " كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت السنة به من صفات الله جل وعلا".
وقال مالك: " الله في السماء وعلمه في كل مكان". رواه البيهقي.
والنقول في ذلك كثيرة، فهل نتبع الجهمية والأشاعرة في قولهم هذا، أم نتبع أبا حنيفة ومالك والأوزاعي وقد عاصرو بعضهم الصحابة وبعضهم التابعين، قبل أن يخلق الأشعري، مع اعتقادي أن الأشعري لم يقل بهذا، فيما أعلم، وإنما هو من جعبة بعض متأخري الأشاعرة.
فإن أراد أن نأتي له بسيل من النقول عن السلف في ذلك، فلا مانع عندنا، فنحن نتبع ولا نبتدع.
وأيد منه أن يأتي بواحد فقط، فقط، من السلف قال: الله لا داخل العالم ولا خارجه. قال جاهلهم سعيد فودة: " إن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه، ولا فوق العالم، ولا تحته". فمن أراد النظر
في جنون العقول والفهوم فليتأمل مثل هذا القول.
قولك: "وأمَّا استشهاده بأقوال الأئمة الأوائل فنقول إنَّهم ما كان في زمانهم من المتكلمين من أهل السنة كثير إنَّما اشتهر المعتزلة بأنَّهم المتكلمون وقتئذ ... فكان رد مثل الإمام الشافعي رضي الله عنه عليهم" أي أنه قبل مجيء الأشاعرة كان السلف في جهل بعقيدتهم حتى جاء الأشاعرة فبينوا العقيدة الصحيحة!!!!
فهل تجتمع الأمة على ضلالة، كما قال صاحبك جمال قبل هذا.
قولك: "وأمَّا اعتقاد الأئمة فكان قطعاً هو اعتقاد الأشاعرة استخدموا علم الكلام أو لا, فالإمام الطحاوي إنَّما نقل اعتقاده عن الإمام أبي حنيفة وتلميذيه رضي الله عنهم, وخاله الإمام المزني تلميذ الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي نقل عنه صاحبنا على المعتزلة ما قال ... وقد قال الإمام الطحاوي إنَّ من وصف الله سبحانه وتعالى بمعنى من معاني البشر فقد كفر, والكون في المكان من المعاني التي يتصف بها البشر فيتنزه الله سبحانه وتعالى عنها"، لا يسنده أي دليل، وقد سبق أن نقلت كلام الشافعي في أهل الكلام، وأنت بقولك هذا تدعي أن السلف كلهم أشاعرة، فآمل منك أن تعيد النظر في تعليقاتي السابقة جيدا، لتعرف موضع الجريد والنعال.
- واختم بذكر مذهب الأشعري في آخر حياته، فقد قال في المقالات والموجز والإبانة " وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله ... " إلى أن قال: " وإن الله مستوي على عرشه، كما قال: [الرحمن على العرش استوى]،وأن له وجها، كما قال: [ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام]، وأن له يدين كما قال: [بل يداه مبسوطتان]، وقال: [لما خلقت بيدي]، وأن له عينين بلا كيف، كما قال: [تجري بأعيننا] ".
وقال أبو الحسن: ويقال لهم: لم أنكرتم أن يكون الله عز وجل عني بقوله: [يَدَى]، يدين ليستا نعمتين؟ فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة، قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة؟، فإن رجوعنا إلى شاهدنا وإلى ما نجده فيما بيننا من الخلق، فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة، قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله عز وجل فكذلك لم نجد حياً من الخلق إلا جسماً لحماً ودماً فاقضوا بذلك على الله عز وجل، وإلا فأنتم لقولكم متأولون ولاعتلالكم ناقضون، وإن أثبتم حياً لا كالأحياء منا، فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله عز وجل عنهما يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين ولا كالأيدي، وكذلك يقال لهم: لم تجدوا مدبراً حكيماً إلا إنساناً ثم أثبتم أن للدنيا مدبراً حكيماً ليس كالإنسان وخالفتم الشاهد ونقضتم اعتلالكم، فلا تمنعوا من إثبات يدين ليستا نعمتين ولا جارحتين من أجل أن ذلك خلاف الشاهد".
وقد علق الشنقيطي على ذلك بقوله: " وبه تعلم أن الأشعري -رحمه الله- يعتقد أن الصفات التي أنكرها المؤولون كصفة اليد من جملة صفات المعاني كالحياة ونحوها وأنه لا فرق ألبتة بين صفة اليد وصفة الحياة فما اتصف الله به من جميع ذلك فهو منزه عن مشابهة ما اتصف به الخلق منه، واللازم لمن شبه في بعض الصفات ونزه في بعضها أن يشبه في جميعها أو ينزه في جميعها كما قاله الأشعري".
وقال: " أما ادعاء ظهور التشبيه في بعضها دون بعض فلا وجه له بحال من الأحوال لأن الموصوف بها واحد وهو منزه عن مشابهة صفات خلقه".
آمل من جميع الأشاعرة أن يتقوا الله، ويعيدوا النظر في طريقة إثبات العقائد وينشغلوا بحفظ كتاب الله والعمل به والاشتغال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله الموفق.
¥