تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

-وخالف جمع من حذاق الأشاعرة، ومنهم أبو المعالي الجويني، وقد سبق نقل كلامه، ومنهم: القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم، حيث قال: " لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه القاهر فوق عباده وأنه استوى على العرش، مع التمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلى الذي لا يصح في المعقول غيره، وهو قوله تعالى: [ليس كمثله شيء] عصمة لمن وفقه الله تعالى". فما أجمل هذا الكلام من هذا الأشعري الخبير بمذهب الأشعري، الذي وقف عند صريح دلالة القرآن والسنة على فوقية الله سبحانه وتعالى.

-رده حديث الجارية مع موافقة هذا الحديث لآية الاستواء، ولفطرة البشر، فادعى شذوذ الرواية، وقدم العقل على النقل، فرد ما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى العقلاء أن يعرضوا عقل هذا الرجل على العامة ليعلم حقا أنه خالف العقول والفطر.

سابعا: قال هذا المضطرب: " الدليل على وجوده سبحانه وتعالى هو العقل" .... وهذا يبين مدى إهمال منظري الأشاعرة لتوحيد الإلوهية، لأنهم بالغوا في الاهتمام بإثبات وجود الواجب، ولم نجد أحدا منهم تحدث في كتب العقيدة عن توحيد الألوهية، بل وجدنا بعضهم من الصوفية الغلاة، ومن أهل وحدة الوجود باطنا، فالله المستعان.

وقال هذا المضطرب: " فلا يصح أن يقول أحدنا إنَّ النقل هو الدال على وجوده تعالى لأنَّا ما صدقنا بالنقل إلا بعد أن صدَّقنا بوجوده تعالى ... ". فتناسى الغاية الحقيقية من القرآن وأهملها، وهي توحيد الألوهية، وهي حديث القرآن مع الكفار؛ لأنهم لم ينكروا وجود الله، ومع هذا وجدنا المتكلمين يطيلون الحديث عن وجود الواجب، بطريقة تدل دلالة قاطعة على حصول أصل الشك عندهم، ولا استبعد مثل هذا عند هذا المضطرب، وأنه يعاني في عقله الباطن مثل هذا الهوس والحيرة، كيف لا، وقد وقع في ذلك كبيرهم الذي خلط الدين بالفلسفة، وهو الرازي، وتلميذه الخسروشاهي.

ومن تأمل حال كثير من متصوفيهم وجد عندهم من شركيات الاستعانة والاستغاثة والغلو وغير ذلك، وما ذلك إلا لأنهم تناسوا توحيد الألوهية، وأخذو يثبتون توحيد الربوبية، ويجعلون أول واجب عندهم النظر، لا الشهادتين.

سابعا: قال هذا المضطرب: " ليعلموا حقاً وجوده سبحانه وتعالى باقياً لا يتغير ... وإلا لكان ناقصاً ... وذلك بأنَّه لو تغير من نقص إلى كمال فذا قول بأنَّه سبحانه وتعالى كان ناقصاً ... ". فيقال له: لقد وقعتم في هذا الأمر من حيث لا تشعرون، ودليل ذلك: أنكم أثبتم لله العلم بالمخلوقات، فهل هذا العلم قبل وجود المخلوق، هو العلم نفسه بعد وجود المخلوق؟ فإن قلت هو نفسه، قيل لك: أنتم مجمعون على حدوث المخلوق، فيلزم من هذا التناقض، فإما أن تقر بقدم العالم كالفلاسفة، وإما أن تدعي التغير من النقص للكمال، وهذا حسب أصولكم وسفسطتكم، وقولكم من كمال إلى كمال لا يتعدى مدلوله اللفظ، ولا

يقبله العقل.

ثامنا: قال هذا المضطرب: أثناء استدلال له: " فيجب كونه سبحانه وتعالى ليس حادثاً فيكون قديماً"، وهل في هذا شك؟ والجواب: نعم فيه شك عندكم، ولذا أطلتم الاستدلال على ذلك، فخضتم في دليل التمانع، وفي نفي التسلسل، واضطربتم في تقرير ذلك، مع أن ذلك مما لم نكلف به.

تاسعا: قال هذا المضطرب: " وكذلك من إثبات أنَّه هو الغني عن كل ما هو سواه ... فهو سبحانه وتعالى الغني عن كل الأمكنة ... ولو كان في مكان لكان محتاجاً إليه فلا يكون إلها".

فمصطلح المكان مما لم يثبت لفظه أهل السنة، ومع هذا يلزمكم أن تقولوا: وهو الغني عن الحياة وهو الغني عن العلم، لأن الله لا يعلم إلا بالعلم، فهو محتاج له، ولا يحيا إلا بالحياة، فهو محتاج لها، فإن قلت: علمه عين ذاته، لزمك نفي جميع صفات المعاني، مع اتفاقكم على أنها تخالف الذات في المفهوم، ونفي الصفات هو مذهب شيوخكم من المعتزلة، كما لا يخفى. ومسألة التغاير ظاهرة من كلامكم، ومن ذلك دعواكم قيام صفة الباري به، والقيام دليل ظاهر على التغاير بين الذات والصفة، إلا إذا قلتم بأن ذات الباري صفة، فيلزمكم قيام العرض بالعرض. ومما يدل على القيام قول الرازي في صفة الكلام: " أن قول من قال: إنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا وأطال في تقرير ذلك". فهذا دليل صريح على التغاير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير