تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سابعا: قال هذا المضطرب: " ليعلموا حقاً وجوده سبحانه وتعالى باقياً لا يتغير ... وإلا لكان ناقصاً ... وذلك بأنَّه لو تغير من نقص إلى كمال فذا قول بأنَّه سبحانه وتعالى كان ناقصاً ... ". فيقال له: لقد وقعتم في هذا الأمر من حيث لا تشعر، ودليل ذلك: أنكم أثبتم لله العلم بالمخلوقات، فهل هذا العلم قبل وجود المخلوق، هو العلم نفسه بعد وجود المخلوق؟ فإن قلت هو نفسه، قيل لك: أنتم مجمعون على حدوث المخلوق، فيلزم من هذا التناقض، فإما أن تقر بقدم العالم كالفلاسفة، وإما أن تدعي التغير من النقص للكمال، وهذا حسب أصولكم وسفسطتكم.

ثامنا: قال هذا المضطرب: أثناء استدلال له " فيجب كونه سبحانه وتعالى ليس حادثاً فيكون قديماً"، وهل في هذا شك؟ والجواب: نعم فيه شك عندكم، ولذا أطلتم الاستدلال على ذلك، فخضتم في دليل التمانع، وفي نفي التسلسل، واضطربتم في تقرير ذلك، مع أن ذلك مما لم نكلف به.

تاسعا: قال هذا المضطرب: " وكذلك من إثبات أنَّه هو الغني عن كل ما هو سواه ... فهو سبحانه وتعالى الغني عن كل الأمكنة ... ولو كان في مكان لكان محتاجاً إليه فلا يكون إلها".

فمصطلح المكان مما لم يثبت لفظه أهل السنة، ومع هذا يلزمكم أن تقولوا: وهو الغني عن الحياة وهو الغني عن العلم، لأن الله لا يعلم إلا بالعلم، فهو محتاج له، ولا يحيا إلا بالحياة، فهو محتاج لها، فإن قلت: علمه عين ذاته، لزمك نفي جميع صفات المعاني، مع اتفاقكم على أنها تخالف الذات في المفهوم، ونفي الصفات هو مذهب شيوخكم من المعتزلة، كما لا يخفى. ومسألة التغاير ظاهرة من كلامكم، ومن ذلك دعواكم قيام صفة الباري به، والقيام دليل ظاهر على التغاير بين الذات والصفة، إلا إذا قلتم بأن ذات الباري صفة، فيلزمكم قيام العرض بالعرض. ومما يدل على القيام قول الرازي في صفة الكلام: " أن قول من قال انه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا وأطال في تقرير ذلك". فهذا دليل صريح على التغاير.

ومسألة تعدد الصفات عندكم يجب أن لا تتهربوا من القول به، قال في "مناهج الأدلة": " فليس من شأن العامة ولا المتكلمين إذا أن يشغلوا أنفسهم بما لا طاقة لهم به، وينبغي أن يعترفوا بتعدد الصفات".

وقد أشار كبير الأشاعرة، الشهرستاني، في عصره إلى حيرة الأشاعرة وغيرهم في هذه المسألة، فقال: " ثم هل تشترك هذه الحقائق والخصائص في صفة واحدة، أو ذات واحدة، فتلك الطامة الكبرى على المتكلمين، حتى فر القاضي أبو بكر الباقلاني منها إلى السمع، وقد استعاذ بمعاذ والتجأ إلى ملاذ، والله الموفق".

وقال الآمدي: " فما على المؤمن إلا أن يثبت الكمالات المختلفة دون دخول في هذه المضائق التي وقع فيها بعض الأصحاب فعجزوا عن تحقيق الجواب".

وأما العلامة سعيد فودة وتلميذه البار أبو الغوش، فهما من جوهر آخر غير جوهر أئمتهم هؤلاء، نعوذ بالله من الضلال والخذلان.

عاشرا: تناقض القوم كثيرا في كلام الله، وقد بينت ذلك فيما سبق، وأضيف: أنهم زعموا أن كلام الله مكتوب في المصاحف على الحقيقة وليس بحروف. وهذا من محالات العقول، أعني وجود مكتوب بدون حروف.

وقالوا: " إثبات الحروف في كلام الله تشبيه"، ثم قالوا: " كلام الله وكلام غيره لا حروف فيهما"، فوقعوا في التشبيه.

ومن تناقضهم:

قولهم: " إن كلام الله شيء واحد، لا يدخله التبعيض"، وعلى هذا فقولهم: إن الله أفهم موسى كلامه، لم يخل الأمر من أن يكون قد أفهمه كلامه مطلقا، فصار موسى عالما بكلام الله حتى لم يبق له كلام من الأزل إلى الأبد، إلا وقد فهمه موسى، وفي هذا اشتراك مع الله في علم الغيب، وذلك كفر باتفاق".

فإن قالوا أفهمه ماشاء من كلامه رجعوا إلى التبعيض.

ومن تناقضهم: أنهم يقرون بوجود النسخ في القرآن المنزل، فيلزم على هذا أن يكون كذلك في الكلام القديم، لأن هذا عندهم عبارة عنه، ويلزم من ذلك: الترتيب والتعاقب، الذي يفرون منه.

ومن تناقضهم: أنهم لا يدرون موقع الإعجاز، هل هو قائم بالقرآن، أم بالكلام النفسي؟

وبالجملة فالعقلاء ممن انتسب أو عرف عنه هذا المذهب يقول، كما قال ابن حجر (رحمه الله) عن السلف: " "القرآن كلام الله غير مخلوق ولم يزيدوا على ذلك شيئا وهو أسلم الأقوال والله المستعان".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير