تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأرض وما عليها ثمّ الاستواء إلى السماء, فإن أُخِذَ هذا على الظاهر لَزِمَ القول بأنَّ الله سبحانه وتعالى كان تحت العرش ثمَّ ارتفع عليه لأنَّ الأرض تحت السماء, ومن المعلومِ كونُ السماء والعرش قد خُلقا قبل الأرض وذلك بقوله تعالى "وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء" [هود-7] وأيضا الحديث في صحيح البخاري (كان الله ولا شيء غيره وكان عرشه على الماء ثمّ خلق السموات والأرض) [كتاب بدء الخلق] وأيضاً في الآية الكريمة من سورة فصلت الاستواء إلى السماء وهي دخان, فكانت موجودة قبل الاستواء, فلا يسع هؤلاء القول بأنَّ الله سبحانه وتعالى علا على العرش عند خلقه, وعلى هذا يكون القول بأن الاستواء يعني العلو المكاني باطل لأن الدلالة عند هؤلاء أنّ الله -تعالى عن ذلك- خلق الأرض ثمّ صعد إلى السماء من الأرض وفي هذا إنكار لعلو مكانه –سبحانه عن هذا- أثناء خلق الأرض, فهذا باطل حتى عند هؤلاء, والقول بأنه لا يلزم من ارتفاعه -سبحانه عن ذلك- أنه كان قبل ذلك تحت السماء أو العرش قول يدل على جهل قائله! فهؤلاء يقولون بإثبات حقيقة المعنى الظاهر, والارتفاع لا يكون إلا بالتحرك من مكان منخفض إلى مكان عالٍ, ونفي هذا المعنى خروج عن الظاهر الذي يزعمون التمسك به, فهذا دليل من نفس الآية الكريمة على امتناع علو المكان. ودليل آخر على أن الاستواء هو بعلو الملك والقهر والسلطان هو أيضا من الآية الكريمة من سورة فُصَّلت وهو بقول الله سبحانه للسماء والأرض "ائتيا طوعاً أو كرهاً" فهذا فيه قهر لهما وتقريرهما على ذلك فهو كقوله تعالى "أليس الله بأحكم الحاكمين" [التين-8] و"لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" [غافر-16] , فالملك دائماً لله سبحانه لكن بعد فناء الخلائق يقرّرهم على ذلك, فلهذا لا يقتضي علوُّ الملك والسلطان التنازع والاستيلاء على ما تملّكه ندٌّ بعكس علوّ المكان –تعالى الله عنه- إذ كان مسبوقاً بالتحتية والسفل. ويبطل تشغيب هؤلاء على امتناع التنازع في الاستيلاء أيضاً قوله تعالى "والله غالب على أمره" [يوسف-21] فالمغالبة ليست للندية هنا بل إنّ الله سبحانه قاهر لكلّ الخلق. وهذه الآيات الكريمة أيضاً تنفي كون العلو مكانياً لغة: "وقد أفلح اليوم من استعلى" [طه-64] , ","إن فرعون علا في الأرض", وكذلك من شعر العرب ما سبق. وهنا إشارة إلى قول بعضهم إنّه إن كان الله سبحانه على كل شيء قديراً فإنه قدير على النزول إلى الأرض كما اقتدر على النزول إلى الشجرة فكلّم سيدنا موسى منها كلمة ثمّ صعد!!! –تعالى الله عن هذا الكفر- وكان حقاً تحت العرش ثم علا عليه لأنه قادر على النزول تحت العرش! وهذا تجويز من هذا الأحمق ليكون الله تعالى ناقصاً, إذ إنّ الله سبحانه عند هذا الأحمق من كماله كونُه عالياً بالمكان فإذا نزل للأرض نقص –سبحانه وتعالى عن هذا كثيراً- وهذا القول كفر محض عندهم!! لكنّ هؤلاء لا يعقلون!! إنما قوله تعالى "إنّ الله على كلّ شيء قدير" هو كائن في الأشياء, والأشياء هي الموجودات, والموجودات إمّا أن تكون واجبة الوجود كذات الله سبحانه وصفاته أو أن تكون ممكنة الوجود مثل هذه الورقات و الشمس ومثلنا ... و إنما تتعلّق القدرة بالممكن دون الواجب لأنها إن تعلّقت بالواجب تعلّقت بنقيضه وهو المستحيل, وقد انتفى تعلّق القدرة بالمستحيل لأنه فيه قلبٌ للحقائق, والمستحيل ليس بشيء, وقد اقتصرت الآية الكريمة على الأشياء, ولا يُقال إن الله سبحانه لا يقدر على المستحيلات أو الواجبات لأنها ليست أصالة محلّ للقدرة. وبهذا يُعرف الإجابةُ على تشكيكات بعض الحمقى من الملاحدة بسؤالهم مثل كون الله تعالى قادراً على إعدام نفسه!! أو خلق حجر لا يستطيع حمله!!! تعالى عن ظنون الحمقى والمغفلين.

7 - "يُنَزّل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده" [النحل-2] "إنّا أنزلناه في ليلة القدر" [القدر-1] ..... ,"وأنزلَ لكم من الأنعام ثمانية أزواج" [الزمر-6]

قد يحتجُّ بعض المجسَّمة بآيات الإنزال بأن المُنزِل سبحانه فوق إذ ينزلُ ما ينزلُ من عنده!! فيُردّ عليهم بأنّ الملائكة عليهم السلام ليسوا في مكان الله -تعالى عن هذا كلّه- عند هؤلاء وإلا انتفى كون الله تعالى عالياً بالمكان على خلقه فكان ناقصاً! ولكن الملائكة كما في الأحاديث منهم من في السموات ومنهم حملة العرش وسيدنا جبريل عليه السلام في الحديث كان له درجة لا يعلوها –على صحّة الحديث- فنزولهم من السماء وليس من مكان الله -تعالى عنه-. وأمّا تنزّل القرآن الكريم فهو ليس بأن تلفّظ الله تعالى به!! تعالى الله عن هذا علوّاً كبيراً, بل إنّ القرآن الكريم كان ابتداء في اللوح المحفوظ كما قال تعالى "بل هو قرآن مجيد. في لوح محفوظ" [البروج-22ٍ] ,ثمّ الإنزال إلى السماء الدنيا "إنّا أنزلناه في ليلة القدر" وروى الحاكم والبيهقي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إنَّ القرآن الكريم أنزِل جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر , ثمّ التنزّل إلى قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مُفرّقاً كما قال تعالى "وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث و نزّلناه تنزيلاً" [الإسراء-106].وكذلك إنزال الأنعام لا يعني كون المُنزل سبحانه فوقنا, وإلا كانت الأنعام عنده! سبحانه وتعالى.

يتبع ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير