تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سبحانه غالبا لعرشه قادرا عليه حتى يخبر به سبحانه في سبعة مواضع من كتابه مطردة بلفظ واحد ليس فيها موضع واحد يراد به المعنى الذي أبداه المتأولون وهذا التمدح والتعظيم كله لأجل أن يعرفنا أنه قد غلب عرشه وقدر عليه وكان ذلك بعد خلق السماوات والأرض.

أفَتَرى لم يكن سبحانه غالبا للعرش قادرا عليه في مدة تزيد على خمسين ألف سنة ثم تجدد له ذلك بعد خلق هذا العالم؟

والنصوص الشرعية صرحت تارة بأنه استوى على عرشه، وتارة بأنه فوق عباده، وتارة بأنه العلي الأعلى، وتارة بأن الملائكة تعرج إليه، وتارة بأن الأعمال الصالحة ترفع إليه، وتارة بأن الملائكة في نزولها من العلو إلى أسفل تنزل من عنده، وتارة بأنه رفيع الدرجات، وتارة بأنه في السماء، وتارة بأنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وتارة بأنه فوق سمواته على عرشه، وتارة بأن الكتاب نزل من عنده، وتارة بأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وتارة بأنه يرى بالأبصار عيانا يراه المؤمنون فوق رؤوسهم، إلى غير ذلك من تنوع الدلالات على إثبات علو الله الحقيقي، فكيف تريدنا صرف مثل هذه الدلالات إلى غير ظاهرها؟

رابعا: يجب أن تعلم أن أهل البدع من الجهمية، وهم شيوخ المعتزلة، والمعتزلة، وهم شيوخ الأشاعرة، قد أخذوا من بعضهم البعض، واتفقوا جميعا على أنهم ينفرون عن الحق ويدعون بتنفيرهم إلى الباطل فيسمون إثبات صفات الكمال لله تجسيما وتشبيها وتمثيلا، ويسمون إثبات الوجه واليدين له تركيبا، ويسمون إثبات استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فوق سمواته تحيزا وتجسيما، ويسمون العرش حيزا وجهة، ويسمون الصفات أعراضا، والأفعال حوادث، والوجه واليدين أبعاضا، والحكم والغايات التي يفعل لأجلها أغراضا، فلما وضعوا لهذه المعاني الصحيحة الثابتة تلك الألفاظ المستنكرة الشنيعة، تم لهم من نفيها وتعطيلها ما أرادوه، فقالوا للأغمار والأغفال: اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض والأغراض والأبعاض والجهات والتركيب والتجسيم والتشبيه فلم يشك أحد لله في قلبه وقار وعظمة في تنزيه الرب تعالى عن ذلك، وقد اصطلحوا على تسمية سمعه وبصره وعلمه وقدرته وإرادته وحياته أعراضا، وعلى تسمية وجهه الكريم ويديه المبسوطتين أبعاضا، وعلى تسمية استوائه على عرشه وعلوه على خلقه وأنه فوق عباده تحيزا وعلى تسمية نزوله إلى سماء الدنيا بقدرته ومشيئته إذا شاء، وغضبه بعد رضاه، ورضاه بعد غضبه: حوادث، وعلى تسمية الغاية التي يفعل ويتكلم لأجلها غرضا.

واستقر ذلك في قلوب المتلقين عنهم، ومنهم المقلد سعيد فودة، وصغيره أبا الغوش، فلما صرحوا لهم بنفي ذلك بقي السامع متحيرا أعظم حيرة بين نفي هذه الحقائق التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له جميع رسله وسلف الأمة بعدهم وبين إثباتها وقد قام معه شاهد نفيها بما تلقاه عنهم فمن الناس من فر إلى التخييل ومنهم من فر إلى التعطيل ومنهم من فر إلى التجهيل ومنهم من فر إلى التمثيل ومنهم من فر إلى الله ورسوله وكشف زيف هذه الألفاظ وبين زخرفها وزغلها وأنها ألفاظ مموهة بمنزلة طعام طيب الرائحة في إناء حسن اللون والشكل ولكن الطعام مسموم فقالوا ما قاله إمام أهل السنة باتفاق أهل السنة أحمد بن حنبل لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين.

ولما أراد المتأولون المعطلون تمام هذا الغرض اخترعوا لأهل السنة الألقاب القبيحة فسموهم حشوية ونوابت ونواصب ومجبرة ومجسمة ومشبهة ونحو ذلك فتولد من تسميتهم لصفات الرب تعالى وأفعاله ووجهه ويديه وحكمته بتلك الأسماء وتلقيب من أثبتها له بهذه الألقاب لعنة أهل الإثبات والسنة وتبديعهم وتضليلهم وتكفيرهم وعقوبتهم ولقوا منهم ما لقي الأنبياء وأتباعهم من أعدائهم وهذا الأمر لا يزال في الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها.

خامسا: ما يقع لأمثال سعيد فودة وأبي الغوش وأضرابهما، من قبيل وسوسة الشيطان، وتوهيمه، وقد بين ذلك إمام الصوفية في وقته الإمام العارف أبو عبد الله محمد بن عثمان المكي رحمه الله تعالى، فقال في كتابه آداب المريدين والتعرف لأحوال العبادة في باب ما يجيء به الشياطين للتائبين من الوسوسة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير