تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نجد كذلك للإمام علي –رضي الله عنه- كلمة نقدية تدلّ على ذوقه الأدبي، وتعبّر عن رأيه في السابق من الشعراء المتقدمين، فقد حُكي عنه أنه قال: "لو أن الشعراء المتقدمين ضمّهم زمان واحد ونُصبت لهم رايةٌ فَجَروا معاً عَلِمنا مَن السابق منهم، وإذا لم يكن فالذي لم يَقُل لرغبة ولا لرهبة، فقيل: ومن هو؟ فقال: الكندي. قيل: ولِمَ؟ قال: لأني رأيته أحسنهم نادرةً، وأسبَقهم بادرةً".

ويروى كذلك أن الإمام علي – رضي الله عنه- فضل امرئ القيس، وللعلة الأولى في تفضيله الكندي، ومن هذا نلاحظ أن الغمام علي رضوان الله عليه لم يجرِ مجرى النقاد في عصره بالحكم غير المعلل، بل إن أساس الحكم عنده الموازنة بين الشعراء لمعرفة السابق منهم، والأفضل هو الذي لم يقل الشعر لرغبة أو لرهبة كامرئ القيس والكندي.

ويقصد الإمام علي –رضي الله عنه- بذلك أن الشاعر الذي ينبعث إلى القول بدافع الرغبة أو الرهبة قد ينزلق إلى الكذب تحقيقاً لرغبته أيّا كانت، أو دَرْءاً لخطر متوقع يرهبهُ ويخشاه، وبالتالي فإن الشاعر المُقدّم عنده هو الذي تجرّد عن الهوى والخوف وكان شعره وليد المشاعر الصادقة، وهنا يظهر ملياً تأثر الإمام علي بالرسول عليه الصلاة والسلام.

إذن جارى بعض الخلفاء الراشدين عمرَ في تطوير الأحكام النقدية ولكنهم لم يتوسعوا فيها، وبالنسبة للشعراء في هذا العصر والمثقفين فقد اقتصر نشاطهم على أحكام نقدية مجملة، فجهود عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبعض ما قام به الخلفاء الراشدون الآخرون، وتوجيهات ابن عباس للشعر وجهة إسلامية، كلها جعلت هذ العصر يختلف عن الشعر في العصر الجاهلي وعصر الرسول عليه الصلاة والسلام.

ثالثاً: النقد في العصر الأموي: (عصر ابن أبي عتيق)

عاش ابن أبي عتيق في العصر الأموي، وقضى معظم حياته في الحجاز، وكانت رياح التغيير قد هبت على الحجاز، فانتقلت الخلافة إلى الشام والمعارضة إلى العراق، وشاع الفن والغناء، وانتشرت حياة البذخ والترف، كما ظهرت في مكة والمدينة مدرستان للقرآن والحديث والفقه والتشريع والأدب والتاريخ، وكل هذا أتاح للحجاز بأن تنتقل من البداوة إلى الحضارة، وقد عرف هذا العصر الغزل الإباحي والذي كان عمر بن أبي ربيعة زعيمه وتبعه الكثير من الشعراء فيه، وعرف كذلك الغزل العذري الذي عُرف به أهل البادية الحجازية أمثال جميل بن مَعمَر، وعُروة بن حزام.

عاصر ابن أبي عتيق معظم أحداث هذا العصر وشهد الكثير مما طرأ على بيئة الحجاز من تقلبات سياسية، وتطورات اجتماعية، وحركات علمية وأدبية، وشارك في بعضها، فمن الناحية السياسية كان زبيريّ الهوى، ومن الناحية الاجتماعية فقد شهد كل العوامل التي أتيحت للحجاز وأخذت تتفاعل فيه وتعمل مجتمعة على رقيّه ونهضته، كما شهد تأثيرَ الإسلام الذي بدأ يؤثر في نفوس الحجازيين وعقولهم وأخلاقهم، وشهد مغانم الفتوح التي أصابها أهل الحجاز، وشهد كذلك ازدهار الغناء العربي، بل كان يغنّي أحياناً، ويشجّع عليه، ويكرم أهله، ويرعى ذوي المواهب فيه، وشهد كذلك حركة علمية جادة تُعنى بالقرآن والحديث والفقه والتشريع، وأخرى أدبية فنية تهتم بالجديد في شعر الغزل، وتشجع عليه إنتاجاً ونقداً.

لقد نهض الشعر الحجازي وتطور في العصر الأموي، وغلب عليه الغزل الحضري الذي أخذ بفعل العوامل الجديدة التي طرأت على بيئته ومجتمعه ينزع عن نفسه رداء البداوة شيئاً فشيئاً، ويدخل في رداء الحضارة شيئاً فشيئاً، وقد ظهرت نتيجة لهذه النهضة الشعرية نهضة نقدية تجاريها في روحها، فالنقد الأدبي في هذا العصر قد سهم فيه رجال ونساء والشعراء وغير الشعراء، كلٌّ منهم على قدر ذوقه ونوع ثقافته، ولعل هذا الاهتمام مردّه الاهتمام بالشعر ذاته، وقد بدأ النقد الأدبي يشق الطريق الصحيح، ولا يعدو ما سبقه على أن يكون نواة أو محاولات للريادة والكشف فياتجاه طريق النقد القديم.

تمثّل النقد في بيئة الحجاز في العصر الأموي بصور عدّة، تختلف من طبقة لأخرى، ومن شاعر لآخر، تبعاً لعوامل الثقافة والمعرفة والمكانة، وغيرها من العوامل وهي على النحو التالي:

1. نقد الشعراء:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير