تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هي أول صور النقد الموجود في الحجاز، يشبه إلى حدّ كبير ذاك النقد الذي كان موجوداً في الجاهلية وصدر الإسلام، وتتمثل في نقد الشعراء بعضهم بعضاً، سواء أكان هؤلاء الشعراء حجازيين أو غير حجازيين، وكان أوفى الشعراء نصيباً في ذلك عمر بن أبي ربيعة، وقد نالَ رأي أربعةٍ من معاصريه في صورة أحكام غير معللة؛ فيقول عن نُصَيب بن رَباح إنه أبرعهم في وصف النساء، ويقول جميل بن مَعمَر إنه أحسنهم في مخاطبة النساء والحديث إليهن. أما جرير فقد حكم له بأحكام غير معللة أكثر مرة، وأبرزها أنه أنسب الناس، وأنه وجد ما ضل عنه غيره، وكان للفرزدق فيه قول كهذا.

ومن الأمثلة الواضحة على هذا النوع من النقد "أن سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله:

جَر ناصِحٌ بالوُدِّ بيني وبينها فَقَرَّ بَني يومَ الحِصاب إلى قَتلي

ولمّا بلغَ قوله:

فَقُمْنَ وقد أفهَمنَ ذا الُّلبِّ أَنّما أتَيْنَ الذي يأتينَ من ذاك من أجلي

صاح الفرزدق: هذا والله الذي أرادته الشعراء، فأخطأته وبكت على الديار".

بالعودة إلى الاحكام من الشعراء الأربعة نجدها غير معللة بسبب، تحتكم إلى الذوق، وتشبه إلى حدّ كبير ذاك النقد الذي رأيناه في العصرين الجاهلي وصدر الإسلام، وقد كثر هذا النوع بين الشعراء، فما يكاد يسمع شاعرٌ شاعراً آخر ينشد حتى يبدي رأيه فيما سمع دونَ تفكير وبحث، بل بالاعتماد على الذوق والفطرة.

2. المفاضلات بين الشعراء:

كانت المفاضلات وموازنات صورة من صور النقد الذي شهده عصر ابن أبي عتيق، ومعظمها مفاضلات مأثورة عن نقاد الجاهلية وصدر الإسلام، وهي مفاضلات عامة غير معللة،

ومن هذه المفاضلات ما هو عام، تكون فيه المفاضلة بين شاعر وآخر بشكل عام، ومن ذلك سأل رجل نُصيباً: أَجَميلٌ أنسبُ أم كُثَيِّر؟ فقال: أنا سألت كُثيّراً عن ذلك فقال: وهل وَطَّأ لنا النسيب إلا جميل؟! فكانوا يفضلون شاعراً على غيره من الشعراء في غرض معين أو عدة أغراض وربما في كل شيء.

أما النوع الثاني من المفاضلات ما كان جزئياً، كالمفاضلة بين شاعر وآخر في قصيدة أو قصائد معينة، ومن ذلك المفاضلة بين عمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر، فكان عمر يعارض جميلا في قصائده، فيفاضلون بينهما، فقالوا إن عمراً أشعر من جميلٍ في ارائية والعينية، وجميلا أشعر من عمر في اللامية، وكلاهما قال بيتاً نادراً ظريفاً، فقال جميل:

خليليَّ فيما عشتما هل رأيتما

قتيلاً بكى من حبّ قاتله قبلي؟

وقال عمر:

فقالت وأرخت جانب السِّترِ: إنّما

معي فتكلّم غير ذي رِقبةٍ أهلي

ومع هذه المفاضلات المعتمدة على الذوق نجد نفحات بسيطة من التطوير، فبعض النقاد يتجهون إلى تطوير المفاضلات، وذلك بالالتفات إلى جوانب أخرى في الشعر حين الحكم عليه، ومن ذلك حكم نوفل بن مُساحق على عمر بن أبي ربيعة وعبيد الله بن قيس الرقيّات، فكان عمر – في حكمه- أشهر بالقول في الغزل، وابن قيس أكثر أفانينَ الشعر، ومعنى هذا أن نقاد الحجاز في العصر الأموي أخذوا ينظرون في المفاضلات والموازنات الشعرية إلى تنوّع القول في الأغراض الشعرية كإحدى المزايا التي تحسب للشاعر في ميزان النقد عند التفضيل، وكذلك تطرقوا إلى الصدق الشعري في المعنى والعاطفة، أو إلى الشعر الذي يوحيه العقل والمنطق والشعر الذي يوحيه القلب والعاطفة وتفضيل الثاني على الأول، ومن ذلك:

" أنشد كُثيّر ابنَ أبي عتيق كلمتهُ التي يقول فيها:

ولستُ بِراضٍ من خليلِ بنائلٍ قليلٍ ولا أرضى له بقليلِ

فقال له: هذا كلامُ مكافئٍ ليسَ بعاشق! القرشيان أصدق منك؛ ابنُ ربيعة حيث يقول:

ليتَ حظّي كَلحظة العينِ منها وكثيرٌ منها القليل المُهَنّا

وقوله:

فَعِدي نائلاً وإنْ لم تُنيلي إنه يُقنِعُ المحبَّ الرجاءُ

وان قيس الرقيات حيث يقول:

رُقَيَّ بِعَيشكم لا تَهجُرينا ومَنّينا المُنى ثمّ امطُلينا

عِدينا في غدٍ ما شئتِ إنّا نُحبّ- وإن مطلتِ - الواعدينا

فإمّا تُنجزي عِدَتي وإمَّا نعيشُ بِما نؤمَّلُ مِنكِ حِينا"

3. صور أخرى من النقد:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير