تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 11 - 2009, 04:02 ص]ـ

كلمة في شخصية الكاتب

وأنا عندما أقرأ مقالة أو بحثاً لكاتب ما، فإنما أطمع أن أرى فيها شخصيته وأسمع صوته، لا أن أسمع أصواتاً من هنا ومن هناك، يختفي في زحمتها صوت الكاتب، وتضيع شخصيته، وتتميع أفكاره، فأكثر ما يسيء إلى البحوث والمقالات كثرة النقل عن الآخرين، ولا سيما إذا جاءت في غير موضعها، أو زادت عما يخدم الفكرة التي يريد الكاتب إبرازها، إحكاماً لمتشابه أو تبييناً لمجمل أو توضيحاً لغامض، فإن كان يريد سوق كلام ليُعملَ فيه مِبضعَ النقد والتقويم [3] ( http://www.fustat.com/muawat/hamdan_1.shtml#_edn3) ، اقتصر في ذلك على موضع الانتقاد، واكتفى بما يتم به المعنى ويتصل به الكلام، وإلا فعليه الإحالة إلى موضع الكلام في مصدره، ولَرُبَّ دراسة مقتضبة مركزة تظهر فيها شخصية الكاتب، ويرتفع من خلالها صوته عالياً، بذّت كتباً طوالاً من كتب أصحاب النقل والتجميع، وهذا هو دأب الباحثين الجادين ممن أنعم الله عليهم بسلامة الذوق، وحسن النظر في الأمور، وأعاذهم أن يكونوا من الثقلاء الغافلين.

ولو أردنا أن نمثل للقارئ الكريم بما عند هؤلاء الكتاب الجادين مما يوضح ما نذهب إليه لما وسعنا المقام، ولضاقت بنا الصفحات، ووقعنا فيما ننهى عنه ونحذر منه، وإنما نردهم إلى كل ما كتب الأستاذ الكبير إحسان عباس من مقالات في اللغة والأدب، وكذلك الدكتور محمود محمد الطناحي، والأستاذ حسين مؤنس والأستاذ ناصر الدين الأسد والدكتورة وداد القاضي، ثم إلى بحوث الدكتور علي القره داغي في الاقتصاد الإسلامي، وبحوث الدكتور القرضاوي في الفقه الإسلامي والفتاوى المعاصرة، وبحوث الدكتور عماد الدين خليل في التاريخ، وقائمة الأسماء طويلة، لا سبيل إلى الإحاطة بها، بله ذكرها في هذه العجالة.

بل إن ما كتبه العلماء المتقدمون من خير ما يمثل به على ما نقول، فإن كثيراً من المباحث المبثوثة في كتبهم خليقة أن تعد من البحوث العلمية الجادة، إذ توفر فيها من شروط البحث العلمي الحديث ما لا يتوفر لكثير من الكتاب المعاصرين، من الجدة والموضوعية والأصالة والواقعية والعمق والتحليل، مع الإحاطة التامة بالمواضيع التي تناولوها، ومعرفة مداخلها ومخارجها، ناهيك بالأساليب العالية واللغة الرفيعة التي كتبت بها. اقرأ إن شئت ما كتبه الشافعي في رسالته، والغزالي في إحيائه، وابن تيمية في فتاواه، والشاطبي في موافقاته، وابن خلدون في مقدمته، وابن القيم في إعلامه، والجرجاني في دلائله، والسبكي في طبقاته، تجد كتباً تدل على أصحابها، وتنطق بألسنتهم، وتنبئ عن أفكارهم، وتجد أصالة وجدة ومنهجية إلى جانب رؤية واضحة وأفكار منسجمة وعرض بديع.

ولسنا نذكر هذه الكتب من باب التنويه بها، والتدليل على فضلها، ولا للذب عنها أو دفع شبهة علقت بها [4] ( http://www.fustat.com/muawat/hamdan_1.shtml#_edn4) ، فهذا أمر مفروغ منه، لا يشك فيه إلا جاهل أو جاحد، ولكن من أجل أن ينظر فيها الباحثون من هذه الجهة، وليقتفوا أثر هؤلاء العلماء في طرائقهم في البحث والاستدلال والمناظرة، وليروا كيف تقرع لديهم الحجة بأختها، لا ببنت عمها، كما يقول أحمد أمين في مقالة له ضافية ماتعة تحدث فيها عن منطق اللغة [5] ( http://www.fustat.com/muawat/hamdan_1.shtml#_edn5) .

ومع ذلك فإنني أستسمح القارئ الكريم في أن أقبس له شيئاً مما وقع من ذلك في بحث للدكتور الطناحي، لأجل جلاء الفكرة، ووضوح المقصود، ففي مقالة عنوانها النحو العربي والحِمَى المستباح، يرد الطناحي على مقالة للأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي ينكر فيها فضل النحو ويدعو إلى نبذه. ومثل هذه المقالة تقتضي أن يسوق الطناحي الأمثلة والشواهد التي تدعم رأيه وتعضد مذهبه، ولكنه يقول: "ولا أظنني بحاجة إلى الاحتشاد والاستشهاد على سلطان النحو على سائر علوم العربية، ودورانه في نسيج الثقافة العربية، فهذا شيء مسطور في الكتب، ومحفوظ في صدور الذين أوتو العلم" [6] ( http://www.fustat.com/muawat/hamdan_1.shtml#_edn6). فانظر كيف نأى الرجل بنفسه عن أن يكون من أصحاب النقل والتجميع، احتراماً لقارئه وحسنَ ظن به [7] ( http://www.fustat.com/muawat/hamdan_1.shtml#_edn7) .

ولا يُقذفنَّ في رُوع القارئ أن الرجل لم يرد أن يكلف نفسه عناء استقصاء هذا الشيء المسطور في الكتب، أو أنه رآه خارجاً عما يبلغ إليه ذرعُه أو تناله حيلته، فاكتفى بالتعميم فراراً من البحث عنه والخوض فيه، فِعلَ بعض الباحثين الأغرار، بل إنه اجتنب ذكر ما يغلب على الظن أنه من القراء وطلبة العلم قريب، ولم يشغل قارئه بما يمكن قراءته عند غيره، ولا سود صفحاته بالذي سُوِّدت به صفحات سواه، مع علمه به وتمكنه منه، وآية ذلك أنه استأنف فجاء بما هو وراء ذلك شأواً وأعز منه مطلباً، فقال: "لكن لا بأس من الإشارة إلى بعض الأمثلة التي تؤكد سلطان النحو على اللغة وعلى الفكر والفن معاً، وهذه الأمثلة التي تأتيك أيها القارئ الكريم مما لا يتنبه له كثير من الناس؛ لأنها مطروحة في أخبار لا يقف الناس عندها كثيراً". ثم أتى من الأمثلة بما يعز على القارئ المتخصص، فضلاً عن غيره، مما دل على سعة اطلاع وبعد نظر وطول تأمل.

يتبع بإذن الله ..

مقال .. كلمات في كتابة البحوث

نقلاً عن مجلة الفسطاط التاريخية ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير