تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالقرطاجنّي إذاً لا يفرّقُ بين: (مستفعلن فاعلن فعولن) وبين (مستفعلاتن مستفعلاتن)، لأنهما عنده وجهان لوزنٍ واحد، وإنّما كان انتقاده منصَبّاً على إتْباعِهم هذا الوزن بمقصرات البسيط أولاً، معتبراً إياهُ وزناً قائماً بنفسه، لأنه لا يشبه مجزوءات البسيط الأخرى، بدليل ورود السكون الزائد فيه، واقتراحه تفعيلاً آخر له يتناسب مع ما وُجِدَ في قصائد "كثيرٍ ممّن يوثَقُ بصحة ذوقه من الكسر" من زيادة ساكنٍ؛ كالنون من قوله: (إنْ فُزْتَ)، يقبلها الذوق، وإن كان حَذْفُها أخفّ، كما يقول.

والغريب أن السيد محمود، راح ينشئ الجداول والمقارنات لإيضاح الفرق بين الوزنين!! بل راح يفلسف لنا الفرق بينهما قائلاً: إنّ (الخبن) عندما يصيب (مستفعلاتن) يُصيّرها إلى (متَفْعِلاتن) بسقوط السين، وإنّ "هذه السين محال أن تأتي في مخلّع البسيط، لأنّ ما يُقابل السين فيه هو حرف (اللام) من وتد (فاعلن)، وهذه اللام متحركة بطبيعتها، وليست ساكنة، والساكن الذي في المخلّع هو ساكن الوتد من (فاعلن)، وهو (النون)، لأنّ ما يُقابلها في (مستفعلاتن) هو الثالث المتحرك أي التاء. لذا محال أن يتساوى الأمر في حال سلمت (مستفعلاتن) من (الخبن) وفي حال خُبنت، فإن نون (فاعلن) مقابلة لفاء (مستفعلاتن) "!!.

وهذا كلام عجيب، ظاهره الاحتجاج، وحقيقته الخلط والوهم. إذ لا وجه أبداً للمقابلة بين السين من (مستفعلاتن) واللام من (فاعلن)، كما لا وجه للمقابلة بين الصوم والحج!!

فموقع السكون الزائد، الذي أشار إليه القرطاجني وغيره، وفقاً لجميع شواهده، إنما يقع بين العين واللام من (فاعلن)، ليصبح الوزن (مستفعلن فاعيلن فعولن) أو (مستفعلن مفعولن فعولن) كالذي نبّهَ إليه الصفدي والدماميني وغيرهما. فما يُقابل السين من (مستفعلاتن) هو الياء من (فاعيلن) أو الواو من (مفعولن)، وليس اللام المتحركة من وتد (فاعلن) كما توهم الكاتب!

وأخيراً فإن مخلع البسيط الذي ذكر القرطاجني أنه لا يمكن أن يقع هذا الساكن فيه، إنما هو (مستفعلن فاعلن مفعولن)، بدليل قوله: "وليس يمكن أن يقع هذا الساكن في مثل قوله: (أقفر منْ أهلِهِ مَلْحوبُ)، لأنّ اجتماعَها مع اللام في قوله (ملْحوبُ) لا يقبله الذوق".

ومعلومٌ أن قدماء العروضيين إنما يطلقون صفة التخليع على الشكلين: (مستفعلن فاعلن مفعولن) و (مستفعلن فاعلن فعولن)، فمثلاً: يقول الجوهري: "ويجوز فيه التخليع، وهو (قطع مستفعلن) في العروض والضرب، فينقلان إلى (مفعولن)، فيسمى البيت مخلّعاً، وبيته:

ما هيّجَ الشوقَ منْ أطلالٍ = أضحتْ قِفارً كوَحْيِ الواحي

وتابعه على ذلك ابن عباد، وابن القطاع، والشنتريني، والسكاكي، والمحلي، والقرطاجني ... في حين قصرَ أبو الحسن العروضي صفة التخليع على الضرب (فعولن)، وتبعه على ذلك التبريزي، والزنجاني، والدماميني والدمنهوري، وأكثر المحدثين.

وربما كان المعري (-449هـ) أول من أشار إلى الفرق الإيقاعي بين الشكلين، وإلى أنهما شيئان مختلفان، ممثلاً لهما بقول ابن الأبرص:

تصبو وأنّى لكَ التّصابي = أنّى وقد راعَكَ المشيبُ

ومنها قوله:

منْ يسألِ الناسَ يحرموهُ = وسائلُ اللهِ لا يخيبُ

قائلاً: ألا ترى إلى قوله [من ذات القصيدة]:

وا

لمَرْءُ ما عاشَ في تكذيبٍ = طولُ الحياةِ لهُ تعذيبُ

كيفَ هو مُخالِفٌ لهذين البيتين".

وقد جعل السيد مرعي ورود مثل هذا الساكن الزائد في شطر أو أكثر من شطور القصيدة دليلاً على أنها من اللاحق [حسب تسميته له]، فإذا لم يرد فيها هذا الساكن كانت القصيدة من مخلع البسيط كما يقول!! فهل نعتبر قصيدة محمود حسن إسماعيل:

مسافِرٌ زادُهُ الخيالُ = والسّحْرُ والعِطْرُ والظلالُ

من مخلّع البسيط! حيث لم يرد فيها شطرٌ واحدٌ بمثل هذه الزيادة، ثم نعتبر قصيدة ابن المعتز:

فرَّقَ جيرانَكَ الزّيالُ = وانقَلَبَتْ بالجميعِ حالُ

من اللاحق! لأنّ فيها شطوراً تضمنت ذلك الساكن الزائد؟!

وهما من وزنٍ واحدٍ، وقافيةٍ واحدة، كما هو واضح.

وللمهتمين؛ فإن لي دراسة مطولة للبحر المخلّع، نُشِرَتْ في مجلة الدراسات اللغوية، فموقع العروض العربي، أثبتُّ فيها انفصال المخلّع عن مقصرات البحر البسيط، بحراً قائماً بذاته له إيقاعه الخاص، وقوالبه العديدة. ولكنني أبقيتُ له اسم (المخلّع) دليلاً على استقلاله، وإشارةً إلى أصله المسمى (بمخلّع البسيط)، كي لا تنقطع صلته بتراثه، كما في تسمية القرطاجني له، وما تبنّاه السيد مرعي! وإن كان القرطاجني كان يقصد المخلّع بعينه كما رأينا، بينما توهّم مرعي أنه شيء آخر لا صلةَ له به.

الرياض/ 10/ 9/2004م

أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم بهذا الرد المطوّل.

وربما كان لي عودة إلى ما جاء في ردّكم عن الأوزان التي تفوق الحصر!!! كما تقولون.

أخوكم د. عمر (خَلّوف).

ـ[أبو-أحمد]ــــــــ[01 - 12 - 2006, 05:05 م]ـ

أستاذنا الفاضل الدكتور عمر خلّوف،

بارك الله فيك على توضيحك المستفيض، ولم أكن اعلم أن بينك وبين الأستاذ مرعي مساجلات أو مجادلات. بالنسبة لي فإن كتاب الأستاذ محمود مرعي هو الذي أقتنيه، ولا اتمكن، كما خمنت حضرتك، من الذهاب إلى المكتبات العامة بسبب الظروف التي نعيشها، وعلى اية حال فقد أفدتُ منك كثيرا في قضية المخلع واللاحق، وسوف أطلع على الموضوع بشكل ادق بإذن الله تعالى،مع اطيب التحيات العاطرة لك وللأستاذ أحمد يحيى، وأدام الله علمكم وزاد فيه.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير