تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نزل القول على رأس عائشة نزول الصاعقة. وخيم السكون على الجميع. فقالت عائشة مخاطبة أبويها والدموع تتدفق من عينيها بغزارة: ألا تجيبان؟ فقالا: والله ما ندري بماذا نجيب.

فعادت عائشة الى البكاء وقالت: " إن اعترفت بما لم أفعله، والله أعلم أني لم أفعله، لتصدقني. وإن قلت أني بريئة فلا تصدقني. فسأقول كما قال أبا يوسف: " صبر جميل والله المستعان على ما تصفون ".

ثم خيم السكون على المكان. وشعر الرسول الكريم بأن الوحي يكاد ينزل عليه. فأتته عائشة بوسادة وضعتها تحت رأسه. وفزع الجميع إلا عائشة الطاهرة البريئة.

وعندما انتهى الوحي، ضحك الرسول الكريم وقال مخاطبا عائشة: " يا عائشة، أما الله فقد برأك. وأنزل الله عز وجل الآيات التي فيها براءة عائشة، وهم: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم ". الى قوله تعالى: " أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم ". سورة النور: 10 - 26

كل آية منها مستقلة بما هو تعظيم لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسلية له، وتنزيه لأم المؤمنين رضي الله عنها، وتطهير لأهل البيت. وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به فلم يدافع عن أطهر البيوت، بل سكت.

بعد هذه الحادثة، وفي جلسة مباركة أفصحت عائشة عما تفردت به عن غيرها من النساء. فقالت:

لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني.

ولقد تزوجني بكرا وما تزوج بكرا غيري.

ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجري.

ولقد دفن في بيتي.

ولقد حفت الملائكة بيتي وإن كان الوحي ينزل عليه وأنا معه في لحافه، فما يبعدني عن جسده.

وإني لإبنة خليفه وصديقه.

ولقد نزل عذري من السماء.

ولقد خُلقت طيبة عند طيب.

ولقد وُعدت مغفرة ورزقا كريما.

ولقد صدقت عائشة في كل ما قالته من الشرف والفضل والخصائص النبيلة، والصفات الكمالية التي لم تجتمع في امرأة قبلها ولا بعدها رضي الله عنها، والصفات الكمالية التي لم تجتمع في امرأة قبلها ولا بعدها رضي الله عنها.

لنرجع الى حادثة الإفك. فنساء النبي لم تتحدث عن عائشة بسوء. بل كل واحدة، كانت تثني على ضرتها بما هي أهله.

أما المنافقين وزعيمهم عبد الله بن أُبي ابن سلول، فقد رد الله كيدهم الى نحورهم، وخاب سعي أبي سلول، وكتب في سجل الأشقياء والمحرومين. وكانت حادثة الإفك شاهدة على فجوره ونفاقه الى ما شاء الله تعالى.

عندما لحق النبي صلى الله عليه وسلم بربه، كانت عائشة رضي الله عنها حوالي التاسعة عشرة. لكنها ملأت الأرض علما. وقد قال عنها عروة بن الزبير فقيه المدينة المنورة: " ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة ".

ولقد بلغ ما روته الصديقة عائشة رضي الله عنها من الأحاديث الشريفة ألفين ومائتين وعشرة أحاديث. وهو أعلى وأكبر عدد ترويه امرأة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وورد 174 اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم.

وأكابر التابعين أثنى على عائشة فقال: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة ".

لننظر الى إنفاقها: بعث معاوية الى عائشة بطوق من ذهب فيه جواهر قُدِّر ب100000. فقسمته بين أزواج النبي الكريم.

عائشة وأختها جوادتين كثيرا وجودهما مختلف. عائشة كانت تجمع الشيء حتى اذا اجتمع عندها قسمت. أما أسماء فكانت لا تمسك شيئا لغد.

عائشة مع عبادة الصوم: كانت عائشة تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم أضحى، أو يوم فطر، أو اذا ضعف جسمها.

عائشة في الصلاة: ذهب مرة القاسم الى بيت عائشة فوجدها تسبح وتقرأ: " فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ". وتدعو، وتبكي، وترددها. فقام القاسم حتى ملّ القيام. فذهب الى السوق لحاجة، ثم رجع. فإذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي.

حاولت عائشة اقتفاء أثر الرسول الكريم في العبادة، حتى أصبحت المرجع الأول في هذا المضمار المبارك. وكانت تقوم الليل، وتصوم الدهر، حتى شغفت بالصلاة والصوم.

وكانت عائشة - رضي الله عنها - عندها كمال الدين، وورع، ومعرفة لحقوق الله عز وجل.

عائشة مع النصيحة: في يوم قالت للناس: " إنكم لن تلقوا الله عز وجل بشيء خير لكم من قلة الذنوب. فمن سرّه أن أن يسبق الدائب المجتهد، فليكُف نفسه عن كثرة الذنوب ".

كانت عائشة تنادي بنات حواء الى ايجاد المودة، والى زرعها في قلب بيوتهن، فتقول: " أميطي عنك الأذى، وتصّنعي لزوجك كما تتصّنعين للزيارة، وإذا أمرك فلتطيعيه، وإذا أقسم عليك فأبرّيه، ولا تأذني في بته لم يكره ".

وقالت عن مكارم الأخلاق: المكارم عشرة: صدق الحديث، ومداراة الناس، وصلة الرحم، وحفظ الأمانة، والتذّمم للجار، وإعطاء السائل، والمكافأة بالصنائع، وقِِرّي الضيف، والإقرار بالعهد، ورأسهن كلهن الحياء.

من روائع أقوالها: إن لله خلقا قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح خفقن معها. فأُف للجبناء،

فأُف للجبناء.

وفي صدق الطاعة تقول: من أرضى الله بإسخاط الناس، كفاه الله ما بينه وبين الناس. ومن أرضى الناس بإسخاط الله، وكله الله الى الناس.

بشراها الى النساء: بشرت عائشة النساء قائلة: " ما من امرأة غزلت حتى كست نفسها إلا استغفر لها سبع سماوات وما فيهن من الملائكة. ابشروا معاشر النساء ما لكن عند الله عز وجل بطاعتكن لبعولتكن وخدمتكن لأولادكن. أنتم المساكين في الدنيا، والسابقين الى الجنة مع أزواج النبي في الآخرة. يغفر الله لكن كل ذنب عملتن إلا الكبائر".

امتدت الحياة بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قرابة نصف قرن من الزمن. ملئت فيها الدنيا علما، ودينا، وأدبا، ومعرفة. توفيت عائشة وعمرها ست وستين، ودفنت بالبقيع مع صاحباتها أمهات المؤمنين وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير