تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والسبب فيما يبدو لي أن كتب أبي محمد الفقهية والأصولية المطبوعة من مؤلفاته الأخيرة التي كتبها لتطبيق الظاهرية لا لشرحها.

فأكبر موسوعة مطبوعة لأبي محمد كتابه الجليل ((المحلى)) ألف في آخر حياته بعد أن استقام له أصل الظاهر، ونافح عنه، فتفرغ لتطبيقه وقد مات ولم يتمه، فأتمه ابنه الفضل أبو رافع من كتاب والده ((الإيصال)).

ويؤيد هذا السبب أن أبا محمد عقد فصلاً خاصاً عن حمل الأوامر والأخبار على ظواهرها اكتفى فيه بالتدليل ونقض أدلة المخالف دون أن يمهد ببيان معنى الظاهر برسمه وشروطه؛ لأن الأصل الظاهر أصبح من الأمور المفهومة ((عنده، وعند خصمه)) فلم يبق إلا الجدل في أخذه أو رفضه.

وربما - وهو الأرجح - أن أبا محمد قد تبسط في شرح الظاهر في مجادلاته الشفهية، وربما كان ذلك في كتبه المفقودة، فله كتاب: ((كشف الالتباس بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس)) وهو من كتبه المفقودة.

فيحتمل أن يكون فيه بيان ((معنى الظاهر)).

وربما بينه في رسائل لم تصل إلينا أسماؤها، ورجحت الأمر الثاني لأنني لم أجد فيما لدي من كتب أبي محمد إحالة إلى شرح هذه الفكرة، ومن عادة أبي محمد الإحالة إلى المباحث التي سبق له استيفاؤها.

وأستثني السطر والسطرين يردان في كتب أبي محمد الموجودة لدي لم يقصد فيهما البحث عن الظاهر، ولكن الباحث إذا تقصى قراءة ((الإحكام في أصول الأحكام)) وحده استطاع أن يرسم المذهب من منحى أبي محمد في تفريعه وجدله، وبناء على هذا التقصي أقول: ((الظاهر قسمان: لفظي وعقلي (1): فالظاهر اللفظي دلالة اللفظ في لغة الشرع، فإن لم يوجد للشرع اصطلاح فالظاهر هو المجاز الغالب في الاستعمال، فإن لم يوجد مجاز غالب الاستعمال: فالظاهر هو دلالة اللفظ الوضعية: ((الحقيقية اللغوية)) ولا يحمل على المجاز غير الغالب الاستعمال إلا بدليل.

والظاهر العقلي كل ما جاز للعقل تصوره من دلالة المسألة وكل ما لا يتصور العقل غيره، وسر هذا التقسيم: أن محل الظاهر إما نص من الله، وإما من رسوله صلى الله عليه وسلم، وإما إجماع، وإما دليل منهما، كأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم والاستصحاب، وما نص على معناه.

فمدلول قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((ظاهر لفظي)) ومدلول فعله صلى الله عليه وسلم ((ظاهر عقلي)).

وهذان الظاهران قد تكون دلالتهما بعيدة، وقد تكون قريبة. وهما يتعلقان بحقيقة المدلول أو بكيفيته أو بكميته، أو بزمانه، أو بمكانه.

معنى الاكتفاء بالظاهر (2)

الشرع لا يكون شرعاً إلا إذا ورد به الخبر عن الشارع، ولا سبيل إلى الشرع ألبتة بغير الخبر، وما استحسنه العقل لا يكون معقولاً إذا عارض معقولاً بالشرع؛ لأن الحقائق لا يمكن أن تتعارض.

ونحاذر من تسميته شرعاً وإن كان معقولاً؛ لأنه معقول بغير شرع.

فكل شرعي معقول:

أ- لأن العقل مؤمن بالشرع جملة وتفصيلاً، وليس كل عقلي شرعياً؛ لأن المعقولات منبثقة من قوانين العقل المخلوق.

أما الشرع فمنبثق من تدبير الخالق الذي آمن به العقل المخلوق، فتعالى تدبير الخالق عن أن يكون أخص من قوانين العقل المخلوق، بل وجب أن يكون أعم.

ب- وكل شرعي معقول؛ لأن الله صاحب الشرع خالق العقل وليس كل معقول شرعياً؛ لأن الإنسان صاحب العقل مخلوق لمنزل الشرع.

ج- وكل شرعي معقول لما ذكرنا، وليس كل معقول شرعياً؛ لأن الشرع ينافي العقول البشرية في تفصيلاته ليمتحن إيمانها به جملة.

ألا ترى أن العقل البشري بحكم قوانينه العقلية من غير الشرع قد لا يستحسن سفك دم الحيوان، أو لا يرى معقولية المسح على أعلى الخفين، أو التيمم بالتراب.

فيأتي الشرع على غير استحسانه ابتلاء واختباراً لإيمانه بوجوب الاستسلام لشرع الله، وعلى هذا جاء قوله تعالى: {لا يسأل عما يفعل} و {لا معقّب لحكمه}.

وقلت: على غير استحسانه في مثل هذه المسائل بعينها ولكنه على استحسانه من ناحية أن الإيمان بصدق الشارع وعصمته عقلاً يوجب الإيمان باتباعه جملة وتفصيلاً.

ومن هذا الجانب وجب أن نتهم الرأي في ديننا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير