تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأصحاب المعاني: يقيسون عليها غيرها في تحريم الربا لمعنى مشترك هو مثلاً الكيل والوزن، فإذا ثبت بمنطوق شرعي أن الكيل والوزن مقصود يناط به التحريم فذلك ظاهر (2)، ولا معنى للقياس ثم.

وإن صح أن ذلك مجرد استنباط عقلي من غير طريق اللغة فذلك غير ظاهر، أي غير شرعي، وللانتفاع بالقسمة العقلية لما يسمى ظاهراً وغير ظاهر نقول: يدل اللفظ على مراد صحابه منه بثلاث دلالات لا رابع لها ألبتة:

1 - دلالة لفظية:

أ- بالنص على المسمى بأحد أسمائه، كالنص على الأصناف الربوية الستة بأسمائها.

ب- أو النص على المسمى بأحد صفاته، كقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} فهذا نص على المقصود ((من ضرب أو قتل أو نهب)) بصفته وهي الاعتداء.

2 - دلالة لفظية بالنص على المعنى دون الاسم أو الصفة، كقوله تعالى: {وورثه أبواه فلأمه الثلث} فنص لفظا على أن الأم وارث، وأن الأب وارث، ولا وارث غيرهما.

ونص لفظاً على أن للأم الثلث، فكان المعنى الضروري أن للأب الثلثين؛ لأن الباقي بالضرورة ثلثان. والأب لم ينص له على شيء، ونص على أنه وارث، فالمعنى أن له ما بقي؛ لأن ما بقي من الإرث لمن بقي من الورثة.

فهذان ظاهران؛ لأنهما راجعان إلى النص، إما بالاسم، وإما بالصفة، وإما بالمعنى.

3 - دلالة معنوية عقلية بغير المنطوق: كالشبه، وانتفاء الفارق، وما يسمى علة، أو أمارة، أو وصفاً، فهذا غير الظاهر بالنسبة لما طريقه النقل.

نتيجة هذه التعريفات:

قررت في معنى الظاهر عند اللغويين أن الظاء والهاء والراء أصل واحد يدل على بروز، وبهذا يفسر ظاهر أبي محمد بأنه كل ما برزمن اللفظ أو في التصور العقلي، وذلك بغض النظر عن مرتبة البروز من ناحية الوضوح أو الإبهام.

فكل ما دل عليه اللفظ، وكل ما تصوره العقل فهو ظاهر، وإن كان خفياً، والظاهر عند أبي محمد ما دل بذاته؛ لأن ما جاءت دلالته من خارج ذلك اللفظ، كالدلالة على أن ما فوق أف حرام: غير ظاهر من ذلك اللفظ!.

والظاهر عند الشافعي وأبي محمد: بمعنى النص: (أي الخطاب الشرعي)

ومسوغ هذه التسمية عند أبي محمد أن النص محل الظاهر الشرعي، أي الدلالة الوضعية أو العرفية.

وما دل عليه اللفظ فهو ظاهر، سواء احتمل إرادة غيره أم لا؟

وتقييد الظاهر عند الأصوليين بوجود الاحتمال لا محل له في تعريف أبي محمد؛ لأن كل لفظ مركب في اللغة على معنى، فإذا ورد اللفظ: فالمعنى الموجود في المعجمات هو ظاهر اللفظ، ولا معنى للاحتمال ثم.

إلا أن هذا المعنى المعجمي من المحتمل ألا يكون مراداً، كقوله صلى الله عليه وسلم ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً)). فالدينار لغة من الذهب، وهذا هو الظاهر، ولكن المراد الذهب والفضة بدليل الإجماع.

فقبل معرفة الإجماع وبعده لا نزال عند قولنا إن الظاهر هو الذهب، وإن غير الذهب غير ظاهر، وبالإجماع أصبح عندنا:

أ- ظاهر غير مراد.

ب- غير ظاهر مراد.

وليس هناك ظاهر راجح أو مرجوح، بل لكل لفظ معناه في حقيقة اللغة، وإنما هناك ظاهر وغير ظاهر. والظاهر هو الراجح بإطلاق.

فإن كان مصروفاً بدليل آخر، فهذا الصارف هو ((غير الظاهر)) إلا أنه الراجح من ناحية ((مراد المتكلم)) لا من ناحية ((دلالة اللفظ)).


(1) تحرير بعض مسائل الأصحاب نهاية صفحة 18
(2) قلت: كثير من الأحكام ثبت هكذا، فيظن أهل القياس أن قول الظاهرية إنما كان قياساً!.
وقد اعترض بهذا بعض أهل القياس فقال: كيف أخرجتم حرمة ضرب الأب من الآية وأنتم لا تقولون بقياس الأولى، ويعني قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف}.
فقلت له: لو لم يكن لفظ (أف) في الآية فهل ستقولون بجواز ضربهما؟! فلجلج!
فقلت له: أما نحن. فلو كان لفظ (أف) ليس في الآية لكان ضرب الوالدين من الحرام بلا شك.
فقال: كيف أخرجتم هذا الحكم إن لم تجدوا لفظة الأف؟!
فقلت له: أهل الظاهر، يأخذون بظاهر النص، ويعملون به، وقد قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} فعلمنا أن الإحسان واجب لهما في كل شيء، فإن فعل الابن شيء أو قاله نظرنا في فعله، فإن كان من الإحسان فهو عمل بهذا الواجب، وإن كان ليس من الإحسان فهذا حرام، فإن قيل: الضرب هل هو إحسان أو ليس إحسان؟! قلنا: هذا يدركه الجاهل والعالم من أنه ليس بإحسان.
ثم هناك معنى بين الإحسان وبين الإساءة، وهو الترك لأي معنى منهما، أي لا أحسن ولا أسيء، أو ما يحلو للإمام ابن حزم أن يسميه (المتاركة)، والذي طلبه الله تعالى هو الإحسان لا ترك الإساءة والمتاركة، فتارك الإساءة لا يمسى محسناً في اللغة، لذلك لم تكن أعيان ما يسمى إساءة ولا أعيان ما يسمى متاركة من المطلوب منا، ولا شك أن كل واجب فبتركه يتلبس التارك بالحرام، فلأجل الترك كان فاعلاً للحرام، أي ترك الشيء المأمور به حرام شرعاً، لذلك وجب علينا برهم والإحسان إليهم، وأن نصلهم بما يسمى صلة في اللغة، ولا نتركهم لحاجة أو في شدة ما أمكننا ذلك، فكل ذلك من الواجب لا يخرج عنه ألبتة.
وقد يستدل بهذه الحادثة بعض المقلدة، وغايتهم إبطال قول أهل الظاهر في رفضهم لقياس الأولى، الذي بحسب زعمهم ورد في الآية هذه، وهو ليس بقياس ألبتة عندهم وعندنا، ولكنهم إن نوقشوا في هذا كابروا.
فالقياس يستعمله أصحابه إذا عدم النص ولم نجد حكم الفرع هكذا يزعمون، ثم يقولون أن ذلك قياس وأن حكم الضرب وتحريمه إنما كان قياساً!
فهم أول من أبطل هذا القياس وفق قواعدهم؛ لأن وجوب الإحسان قد ثبت قبل كلمة (أف)، فلو عقلوا لما اعترضوا بذلك، ثم يجعلون هذا الهذر مما يعارضون به أهل الظاهر، فلو حققوا - وهم لا يفعلون إلا نادراً - لما اعترضوا بهكذا اعتراض ساقط عندهم وعندنا.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير