تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

منذ بزوغ حركة الترجمة الحديثة التي افتتحها رفاعة الطهطاوي، وانهمر سيلٌ من المصطلحات والألفاظ المستوردة التي توغلت في حياتنا الثقافية منذ ذلك العصر ونزولاً. التأصيل هنا هو تأصيل تاريخي يحكمه تصرّفات المترجمين وجهودهم في هذا الوقت، باعتبارهم ناقلين لأول مرة على غير مثال. ومَن يطالع كتاب رفاعة الطهطاوي (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) يجد محاولاته الشخصية في ترجمة وتعريب ما عرض له من كلمات جديدة، ولم تستقر صورة هذه الكلمات

- المترجمة منها والمعرّبة - إلا بعده بقرون.

ويظهر مِمَّا كتبه في الجزء الثاني من هذا الكتاب في الفصل الثاني عشر تحت عنوان (في دين أهل باريس) أنه ترجم الفرنسية laïque و laïcité إلى "العامة" في مقابل القساوسة. يقول (2/ 256): ((ومِن الخصال الذميمة: أن القسيسين يعتقدون أنه يجب على العامة أن يعترفوا لهم بسائر ذنوبهم ليغفروها لهم، فيمكث القسيس في الكنيسة على كرسي يُسمّى كرسي الاعتراف)). اهـ وهذا هو المعنى الأصليّ للكلمة الفرنسية.

الطهطاوي ذو ثقافة إسلامية، لذلك استخدم كلمة "العامة" - ومفردها "عامّي" - لتدلّ على عموم المنتسبين إلى الديانة الكاثوليكية مِمَّا ليسوا في السلك الكهنوتي. ومثل هذه الدلالة ليس لها وجود في الدين الإسلامي كما هو معلوم لعدم وجود كهنوت أصلاً.

في المقابل، كان بطرس البستاني مسيحياً وهذا المصطلح يخصّ ديانته في المقام الأول، ولذلك استخدم الكلمة الرائجة في الأوساط المسيحية الشرقية وهي "عَلماني" التي تحمل هذه الدلالة عينها، وهي المنسوبة إلى العالم. ولقد صنف بطرس البستاني معجمه بعد رفاعة الطهطاوي بأربعين سنة.

فوفقاً للنظام الديني المسيحي، فإنّ كلّ مَن ليس بإكليركيّ أو يعمل في السلك الكهنوتي فهو مِن العامة. وكان يُطلق على عموم الناس في هذه الحالة "العالَم"، وهو نفس الاستخدام الدارج الذي لم يزل قائماً في بعض لهجاتنا إلى اليوم دون سياقه الديني (نقول في مصر مثلاً: "العالَم دُول" يعني "هؤلاء الناس").

وأصل اللفظ مِن اللغة الآرامية كما تفضّل الدكتور عبد الرحمن السليمان، وكانت قد أصبحت لغة اليهود عقب رجوعهم من السبي البابلي، وظهر السيد المسيح وكانت هي اللغة المستخدمة في عصره. ولذلك نقرأ في إنجيل يوحنا أن أحبار اليهود لما علموا بالمعجزات التي صنعها المسيح واجتماع الناس حوله، قالوا (يو 12: 19): "هُوَ ذا العالَم قد ذهبَ وراءه! " والنص في الإنجيل السرياني هكذا:

??? ???? ??? ??? ?? ???? وتعريبه: دها عَلْما كُله أزل له بثره. يقصدون عامة الناس مِن غير الأحبار.

ومعلومٌ أن المصطلحات الدينية المسيحية التي دخلت العربية جاءت عبر السريانية، على سبيل المثال: الجاثليق، الأقنوم، الباعوث، المعمودية، البِيعة أي الكنيسة، القسيس، إلخ. ثم إن السريان وضعوا لهم تراكيب خاصة في اللسان العربي، كقولهم: لاهوت، ناسوت، ثالوث، رهبانية، إلخ.

أما صيغة النِسبة (اني) في أواخر الألفاظ فعربية، ومِن أمثلتها:

- نفس ==> نفساني

- عقل ==> عقلاني

- روح ==> روحاني

- شهوة ==> شهواني

فصاغ النصارى العرب الكلمة الدالة على عموم الناس مِما ليسوا بإكليركيين (عالم) بهذه النسبة، فقالوا:

- عَالَم ==> عَالَماني

ونطقوها بنطقهم السرياني الدارج بتسكين اللام، فقالوا:

- عَالْماني ==> عَلْماني

ولا تزال هذه الظاهرة في النطق الدارج موجودة إلى يومنا هذا، على سبيل المثال:

- خاتِمة ==> خاتْمة (دون مَدّ بين الخاء والتاء)

- عَالِمة ==> عَالْمة

- ماجِدة ==> ماجْدة

- مالِكي ==> مالْكي

- شافِعي ==> شافْعي

- ساحِلي ==> ساحْلي

مع خالص تحياتي

،،

ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[21 - 09 - 2009, 03:48 م]ـ

حواش وإضافات

* الطبعة التي عندي من محيط البستاني هي طبعة مكتبة لبنان ببيروت سنة 1987 وليس في مقدمتها ما يشير إلى أية إضافات قام بها البستاني في معجمه بعد طبعته الأولى، بل لم يرد أن البستاني أعاد طبع معجمه في حال حياته.

* وهاك كلمة "عَلْماني" كما وردت في الطبعة المذكورة: [/ right]

http://img36.imageshack.us/img36/1004/38869001.png

[ بطرس البستاني: محيط المحيط، مكتبة لبنان - بيروت، ط 1987، (علم)، ص 628].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير