تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واللغة والثقافة بوجه خاص دور بارز في هذا التصنيف، إذ هما بمثابة المرآة العاكسة لكل أنواع النشاط الإنساني في هذه الأمة أو تلك، كما أن بين اللغة والثقافة علاقة وثيقة أو بتعبير آخر علاقة الجزء بالكل، فاللغة أخص والثقافة أعم وأن بينهما علاقة التأثير والتأثر. فاللغة ليست مجرد ضوضاء أو أصوات تلقى في الهواء، وإنما هي تجسيد حي لكل معارف الإنسان وخبرته ودليل شخصيته وهويته الثقافية.

أن الاتفاق والافتراق في البيئة اللغوية المعينة ينطبقان بصورة أو بأخرى على الوضع الثقافي لهذه البيئة، ومثال ذلك ما عرضه د. كمال بشر في كتابه (علم اللغة الاجتماعي) للأبوة فهي قيمة لغوية ثقافية ولكن يُعبر عنها في مجتمعاتنا العربية بصور متعددة، فهناك من يقول: بابا، يابا، بابي، دادي، بيي ... إلى جانب الصيغتين الفصيحتين: أبي ووالدي.

إن الارتباط بين اللغة والثقافة وحدة أو تنوعا يتوقف على درجات الاختلاف اللغوي والثقافي معاً، فإذا كان الاختلاف كبيرا بين اللغات كان الاختلاف بين الثقافات واضحا لكن درجة الاختلاف في الثقافات أقل في حالة التقارب اللغوي.

كما تؤدي العوامل الاقتصادية والأحداث الاجتماعية دوراً مهماً في السلوك الثقافي لأفراد المجتمع مما ينعكس سلباً على الجانب اللغوي، لتظهر على السطح ألفاظ

وعبارات وأساليب لم يعد توظيفها مقصوراً على أصحابها من الفئات الجديدة التي ملأت الحياة بغبار التجاوز والشذوذ في الأجواء الاجتماعية والثقافية، بل تعدى هذا التوظيف حدوده وتسلل إلى مختلف الألسن ومختلف الطبقات.

ثالثا: التنوع اللغوي

هناك اتجاهان متضادان في حياة اللغة: اتجاه نحو التنويع والانقسام، والآخر نحو التوحيد والتخلص من الفروق اللغوية، ويرى عدد كبير من اللغويين أن الوضع الطبيعي للغة يميل نحو الانقسام والتوزيع ومن ثم ينشأ عن الوحدة تفرق وتشعب، والسبب في ذلك التأثر بما هو ملموس ومُشاهد في تاريخ البشرية، وهو انقسام مجموعة ضخمة من اللغات المشتركة إلى لهجات متعددة كتفرع اللاتينية إلى فرنسية وإيطالية وأسبانية وبرتغالية، والسامية إلى عربية وعبرية وسريالية وتشعب العربية إلى سورية ولبنانية ... الخ، حتى أن السورية واللبنانية تفرعت إلى لهجات أخرى عدة. هذه الأمثلة جعلتهم يعتقدون أن هناك قانونا طبيعيا يؤدي حتما إلى تشعب اللغات وانقسامها، ولعل من أهم الأسباب التي دعتهم للتمسك بمبدأ الانقسام كثرة عدد اللغات في العالم الآن مقارنة مع لغات الأزمان الماضية بالنظر إلى عدد السكان المتزايد.

والعامل الأساسي في تنوع اللغات وتفرعها وفي تكوين اللهجات هو ضعف الاختلال الاجتماعي بين أهل المنطقة اللغوية الواحدة وسوء الاتصال بين أفرادها.

أمّا عوامل التوحيد وتكوين اللغة المشتركة فتتمثل فيما يلي:

أ*- التجمعات البشرية وصورها:

• العوامل والمدن الكبرى.

• الجامعات والمعاهد العليا.

• الخدمة العسكرية والحرب.

• التجمعات أو اللقاءات الرسمية.

• الزواج المختلط.

ب*- الأدب:

إذ يؤدي الأدب دورا مهما في تكوين اللغات المشتركة، والمقصود بالأدب هنا أدب المجتمعات المكتوب أو غير المكتوب ومثاله ما قام به الرواة في الجاهلية وعصر

صدر الإسلام في نشر الأدب وكان عاملا مهما في التقريب بين اللهجات العربية، وكذا الحال في الغناء الشعبي إذ كانت الفِرق الغنائية تجوب الأقاليم وتؤلف الأغاني

بلغة خالية إلى حد ما من المميزات اللغوية للهجات المحلية حتى يسهُل على الناس فهمها.

وفي العصر الحديث ظهرت السينما ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة التي كان لها أثر في التقريب بين اللهجات وتوطيد أركان اللغة المشتركة.

ج- الوحدة السياسية:

وهي عامل من عوامل التوحيد اللغوي والتقريب بين اللهجات، فوجود حكومة مركزية مسيطرة على مجموعة من الأقاليم تجعل الفرصة مواتية لظهور لغة مشتركة وتوطيدها.

وتعد اللهجات Dialects من صور التنوع اللغوي، إذ أن هناك نوعين من اللهجات: لهجات جغرافية أو محلية Regional or Geographical Dialects ولهجات اجتماعية. Social Dialects هذه اللهجات التي يمتلكها أو يعرفها إنسان ما من شأنها أن تحدد هويته المحلية ووضعه، أي أننا عندما نقابل هذا الإنسان لأول مرة نستطيع أن نحدد موقعه في مجتمعه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير