تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتختلف اللهجات المحلية بعضها عن بعض اختلافا كبيرا في المساحة التي يشغلها كل منها، وتعمل كل لهجة على الاحتفاظ بشخصيتها وكيانها فتقوم بمحاربة عوامل التغيير داخل منطقتها نظرا لترابط الناطقين بها بعضهم ببعض داخل مجتمعهم.

ويعود الفضل في حمايتها من اللهجات المجاورة كذلك إلى ضعف الصلات التي تربط أهلها بمجاوريهم، وقلة فرص الاحتكاك بهم، وميلهم للعزلة والاستقلال كما نجد ذلك في البيئات الزراعية التي تقل فيها وسائل المواصلات، وتضعف حركة انتقال الأفراد. أما في البيئات التجارية والصناعية وحتى الساحلية التي يكثر في العادة احتكاك أهلها بغيرهم فيرجع الفضل في حماية لهجاتها إلى قلة عدد الأجانب بالنسبة إلى سكانها الأصليين، وانتمائهم إلى مناطق لغوية مختلفة وقصر مدة إقامتهم.

أما إذا كانت الفوارق كبيرة بين أهل المنطقتين، فإن التأثر يكون عميقا لدرجة تصل أحيانا إلى القضاء على اللهجة المغلوبة ويحدث ذلك من خلال:

1 - أن تكون إحدى المنطقتين خاضعة لسلطان المنطقة الأخرى عندئذ يُكتب النصر للهجة المنطقة ذات السلطان، شريطة ألاّ تقل عن المنطقة الأخرى حضارة وثقافة وآداب، ومثال ذلك لهجة قريش قبل الإسلام مع اللهجات المضرية الأخرى.

2 - أن تفوق إحدى المنطقتين المنطقة الأخرى في الثقافة والحضارة وآداب لغتها، وفي هذه الحالة يكتب النصر للهجتها وإن لم يكن لها سلطان سياسي على المنطقة الأخرى.

وبالنسبة للهجات الاجتماعية فإن نشأتها تعود إلى ما يوجد بين طبقات الناس من فروق في الثقافة والتربية ومستوى المعيشة وحياة الأسرة والعادات والتقليد ... الخ، وقد تتشعب اللهجة العامة و تختلف كل منها عن أخواتها في المفردات وأساليب التعبير وتكوين الجمل ودلالة الألفاظ .... وما إلى ذلك. ولا تظل هذه اللهجات جامدة على حالة واحدة بل تسير في سبيل الارتقاء ذاته الذي تسير فيه اللهجات المحلية فيتسع نطاقها باتساع شؤون الناطقين بها، ومبلغ نشاطهم واحتكاكهم بأهل الطبقات الأخرى من مواطنيهم.

كما تؤثر اللهجات الاجتماعية في لغة المحادثة العادية، فتستعير منها هذه اللغة كثيرا من التراكيب والمفردات، حتى أنها لا تتميز عن بعضها البعض تمييزا واضحا إلاّ في المدن الكبيرة حيث يتكاثف السكان كما كان الحال في بغداد في العصر العباسي. ومن أهم أنواعها اللهجات الحرفية.

رابعا: الصراع اللغوي

مثلما تتفاعل المجتمعات وتتصارع إلى البناء والغلبة فكذلك اللغات، إذ يحدث بينها ما يحدث بين الكائنات الحية وجماعاتها من احتكاك. فالألفاظ كالناس تنتقل كما ينتقلون وتهاجر كما يهاجرون.

ويذكر أصحاب النظرة الاجتماعية للتطور اللغوي الناجم عن الصراع بين اللغات ثلاثة أشكال:

1 - أن تموت اللغة موتا طبيعيا بسب كثر ة الناطقين بها، وتباعد بيئاتهم، مما يؤدي إلى تولد لهجات محلية منبثقة من اللغة الأم، وقد تتسع لهجة جديدة وتنمو على حساب اللغة الأم لتكون هي اللغة كما حدث للسامية الأولى والسنسكريتية.

2 - أن تُغزى اللغة المعينة من لغة أخرى، حيث يكون الغزاة أكثر عددا من أهل اللغة المغزوة، كما هو الحال في غزو الساميين القدماء حين تغلبت لغتهم على السومرية.

3 - أن تموت اللغة بالتسمم، وذلك بتسرب رشح دخيل من لغات أخرى تحتاج إليه اللغة فتقبله مع شعورها في بداية المر بالانتعاش والقوة والنشاط يشجعها على تقبل جرعات أكبر، كما كان حال العربية حين غزا دخيلها على الفارسية حتى اصبح الأدب والسياسة والعلم جميعا لا تعرف تعبيرا غير العربية وتقلص ظل الفارسية.

إن ما تقتبسه اللغات من بعضها أكثر ما يكون على مستوى المفردات، ويتصل عادة بأمور قد اختص بها أهل اللغة المأخوذ عنها وامتازوا بإنتاجه، كما عن الحركة النشطة من التأثر والتأثير اللغويين ومن الأخذ والعطاء هي التي أُطلِق عليها مصطلح (الاقتراض اللغوي).

ولم يكن الصراع اللغوي مقتصرا على الصراع الخارجي، وإنما دخلت اللغة في صراع داخلي مع نفسها حين تعددت لهجاتها بفعل اختلاف البيئات، وما صاحبه أيضا من اتجاه الألسنة إلى الاختلاف بين القبائل في النطق، وازداد هذا الاختلاف بتفرع القبائل حتى وصل إلى الألفاظ والمعاني كما وتؤدي العوامل الاجتماعية التي نشأت عن العوامل البيئية سببا رئيسياً في تطور اللغات وفي صراعها مع غيرها.

المراجع

1 - عبد الصبور شاهين_ في علم اللغة العام _ مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة 1980.

2 - علي عبد الواحد وافي _ اللغة والمجتمع_ دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة.

3 - كمال محمد بشر_ علم اللغة الاجتماعي_ دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع.

4 - هادي نهر_اللسانيات الاجتماعية عن العرب_دار الأمل للنشر والتوزيع، اربد- الأردن، الطبعة الأولى 1998.

ـ[محمد الأكسر]ــــــــ[20 - 02 - 2007, 11:28 م]ـ

أخي بارك الله فيك على الموضوع الأكثر من رائع

تسلم وحقا هو في غاية الأهمية

لاعدمناك ياسيدي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير