تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها، لأن المعقول في اللغة أن الاشتباه في اللغة لا يحصل بالتسمية وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض، والسواد بالسواد، والطويل بالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب اشتباها لاشتبهت الأشياء كلها لشمول اسم الشيء وعموم تسمية الأشياء به.

فنسألهم: تقولون إن الله موجود؟

فإن قالوا: نعم، قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون شبها للموجودين، (لاشتراكهما في معنى الوجود، ولو مطلقا في الأذهان، فإنهم ينفون أي اشتراك بين اسم الخالق واسم المخلوق من جهة المعنى، ولو كان كليا مطلقا في الأذهان، فيجعلون الاشتراك بينهما: اشتراكا لفظيا).

وإن قالوا: موجود ولا يوجب الاشتباه بينه وبين الموجودات، قلنا: كذلك هو حي عليم قادر مريد سميع بصير متكلم يعني: ولا يلزم من ذلك اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات". اهـ بتصرف.

وقال عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله:

"وقد يجوز أن يدعى البشر ببعض هذه الأسماء وإن كانت مخالفة لصفاتهم، فالأسماء فيها متفقة والتشبيه والكيفية مفترقة، كما يقال: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، يعني في الشبه والطعم والذوق والمنظر واللون، فإذا كان كذلك فالله أبعد من الشبه وأبعد، (وإن حصل الاشتراك في أصل المعنى فذلك مما لا يوجب التشبيه لاختلاف الحقائق خارج الذهن)، فإن كنا مشبهة عندك إن وحدنا الله إلها واحدا بصفات أخذناها عنه وعن كتابه، فوصفناه بما وصف به نفسه في كتابه، فالله في دعواكم أول المشبهين بنفسه، ثم رسوله الذي أنبأنا ذلك، فلا تظلموا أنفسكم ولا تكابروا إذ جهلتموه، فإن التسمية من التشبيه بعيدة". اهـ بتصرف.

ومن ذلك لفظ: "الإبسال" الذي اشتق منه الفعل: "تبسل" في قوله تعالى: (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ)، فإنه يفيد بأصل وضعه: مطلق "المنع" كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، في تفسيره، وقد ورد في تفسيره أنه بمعنى: تحبس، أو: ترتهن، ومعنى المنع الكلي مشترك بينهما، فهما متواطآن، وإن زاد الرهن على الحبس معنى الارتهان، فكل مرهون محبوس، ولا عكس، فالرهن أخص من الحبس، فهو حبس وزيادة، فيكون بينهما أيضا: عموم وخصوص مطلق.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "مقدمة أصول التفسير":

"فإذا قال أحدهم: {أَن تُبْسَلَ}: أي تحبس، وقال الآخر: ترتهن، ونحو ذلك، لم يكن من اختلاف التضاد، وإن كان المحبوس قد يكون مرتهنًا وقد لا يكون، إذ هذا تقريب للمعنى كما تقدم، وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جدًا، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين". اهـ

فإن كل عبارة تؤدي جزءا من المعنى الكلي، فبجمعها تكتمل صورة المعنى، كما تكتمل صورة الاستدلال بجمع أدلة الباب الواحد، فلا يقبل بعضها ويرد بعضها الآخر تشهيا، وإنما ينظر فيها جميعا نظرة الافتقار إلى الدليل، لا الاستغناء عنه بمقالة سابقة، فنظرة طالب الحق: نظرة احتجاج للتأصيل، لا استشهاد للتأييد.

ومن ذلك، أيضا، لفظ: "مع": فإنه يفيد بوضعه: مطلق المصاحبة، ومن ثم يقيد هذا المعنى الكلي المطلق في الخارج بنوع بعينه من أنواع المعية، فمعية الماء واللبن، غير معية الزوج وزوجته، غير معية الرجل ومتاعه، غير معية القائد وجنده، غير معية الله عز وجل وخلقه، سواء أكانت:

معية عامة: فهي من صفات ذاته التي لا تنفك عنها، ولازمها علم الإحاطة، كما في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

أم معية خاصة: فهي من صفات أفعاله، ولازمها: النصرة والتأييد:

لشخص بعينه: كما في قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، وقوله تعالى: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).

أو لوصف كما في:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير