تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، فإن حكم المعية قد علق على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة وهو: التقوى، والوصف الذي اشتق منه المعطوف عليها وهو: الإحسان.

وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فحكم المعية فيه قد علق على وصف الصبر الذي اشتق منه اسم الفاعل: "الصابرين".

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ):

فالشفع يحتمل: يوم النحر، لأنه العاشر، وهو قول: ابن عباس، وعكرمة، والضحاك أيضا، فتكون "أل" فيها للعهد الذهني فهي تشير إلى يوم بعينه.

ويحتمل: الزوج، فيكون الشفع هو الزوج من كل شيء مخلوق، كما في قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

وأثر عن مجاهد رحمه الله: الله الوتر، وخلقه الشفع، الذكر والأنثى.

والوتر يحتمل: ركعة الوتر المعهودة.

ويحتمل العدد نفسه، فمنه شفع زوجي، ومنه وتر فردي، وهو مأثور عن الحسن رحمه الله.

ويحتمل الصلاة فمنها: شفع، ومنها وتر، كالمغرب: وتر النهار، باعتبار قربها منه، ووتر التهجد في آخر الليل.

وكذلك الوتر:

فهو يحتمل يوم عرفة، لكونه التاسع، فتكون "أل"، أيضا، للعهد الذهني فهي تشير إلى يوم بعينه.

ويحتمل العدد الفردي، ويحتمل وتر الصلاة سواء أكان: المغرب أو وتر التهجد، كما تقدم، فتكون "أل" أيضا: عهدية تشير إلى صلاة بعينها.

ويحتمل الله، عز وجل، الأحد الوتر، كما في حديث علي رضي الله عنه: (إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ)، وكما تقدم في أثر مجاهد، رحمه الله في مقابل خلقه: الأزواج، فهو، جل وعلا، منزه عن الزوج، فلا ند له ولا نظير.

فالشاهد مما تقدم أن تلك الأقوال مع اختلاف حقائقها إلا أنها ترجع في معناها إلى قدر مشترك هو حقيقة: الشفعية الزوجية والوترية الفردية، فكلها متواطئة على ذلك القدر الذهني وإن اختلفت حقائقها الخارجية.

وإذا نظرنا في هذه المعاني المتعددة: تبين عدم تعذر حمل اللفظ عليها كلها، لعدم تعارضها، وكلما كانت الآية تتضمن معان عدة لا تعارض بينها فلا مانع من حملها عليها كلها، كما أشار إلى ذلك الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في شرح رسالة "مقدمة أصول التفسير" لشيخ الإسلام رحمه الله.

ومن ذلك ألفاظ: الإعلام والإيحاء والقضاء: فإنها تشترك في معنى كلي متواطئ هو: إعلام الغير، ولكنها تختلف في المعنى الجزئي الذي تختص به كل واحدة منها، وإلى ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"وكذلك إذا قال: الوحي: الإعلام، أو قيل: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النساء: 163]: أنزلنا إليك، أو قيل: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4] أي: أعلمنا، وأمثال ذلك، فهذا كله تقريب لا تحقيق؛ فإن الوحي هو إعلام سريع خفي، والقضاء إليهم أخص من الإعلام؛ فإن فيه إنزالاً إليهم وإيحاء إليهم".

فالإيحاء إعلام مقيد بالخفاء والسرعة، والقضاء أخص من مجرد الإعلام.

بل حتى اللفظ الواحد يمكن أن يدخله التواطؤ في أصل الوضع، وإن اختلف المعنى تبعا لاختلاف السياق الذي ورد فيه، كما في:

قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)

وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)

فالقضاء في كليهما معناه: الأمر، وهذا هو المعنى الكلي الذي تواطآ عليه، ومن ثم قيد هذا الكلي تبعا للسياق الذي ورد فيه، فالقضاء في الآية الأولى: أمر كوني، وفي الآية الثانية: أمر شرعي، وبينهما من الاختلاف ما قد علم، مع اتحادهما في المعنى الكلي الذي وضع لفظ "قضى" للدلالة عليه.

ومثله لفظ: "النكاح": فإن مادة "نكح" قد وضعت لمطلق الجمع، فيقال: تناكحت الأغصان إذا انضم بعضها إلى بعض، ومن ثم قيد هذا الكلي المطلق في الأذهان فصار جزئيا مقيدا في الأعيان، فـ:

نكاح الأغضان: انضمامها إلى بعضها.

ونكاح الرجل زوجه: جماعها، وفيه أيضا معنى الانضمام، ولكن للأجساد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير