تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أو مركبا: بملاحظة السياق الذي ورد فيه كما في قوله تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)، فإن فعل: "أتى" يحتمل: إتيان الذات احتمالا راجحا لأنه الظاهر البسيط لهذه الكلمة دون نظر إلى السياق الذي وردت فيه.

ويحتمل إتيان الصفات احتمالا مرجوحا لأنه عدول عن أصل الوضع، ولكن القرينة السياقية هنا قد رجحت هذا المعنى المرجوح فجعلته راجحا بل نصا غير محتمل، لاستحالة إتيان الله، عز وجل، بذاته القدسية، بنيانهم، فضلا عن كون السياق سياق عذاب، فكل ذلك مما يقطع بأن المقصود إتيان الله، عز وجل، بصفات جلاله، ولازمها الانتقام من المكذبين بإنزال العذاب بهم.

فصار الظاهر هنا، نصا لا يحتمل التأويل إذ القرينة السياقية قد رفعت مرتبته من درجة: محتمل الدلالة إلى درجة: قطعي الدلالة، وهذا ما اصطلح بعض أهل العلم على تسميته بـ: "الظاهر المركب" لأنه ليس ظاهرا مجردا عن سياقه، فإن اللفظ لا يعلم معناه إلا في سياق يفهمه العقلاء، فمن نطق بلفظ مجرد، دون قرينة تدل على مراده، عُدَ من المُخَلِطين.

وسمى بعض أهل العلم هذه الدلالة بـ: "الدلالة الحملية" للنصوص، فاللفظ يحمل على السياق الذي ورد فيه.

وليس لمن قال بجواز المجاز في باب الصفات أن يحتج بهذه الآية، لأن القرينة فيها: قرينة لفظية سياقية، بخلاف قرينة المجاز فإنها عقلية، والقرائن العقلية لا اعتبار لها في الغيبيات التي مستندها الدليل السمعي الصحيح، فلا عمل للعقل فيها إلا التسليم والانقياد، فإذا صح النقل سلم العقل كما يقول بعض أهل العلم.

وقل مثل ذلك في نحو:

قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)، فالمعية في قوله تعالى (وهو معهم): معية علمية بقرينة: (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا).

وقوله تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ)، فهو بعلمه في السماوات والأرض، بقرينة: (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ).

وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ)، أي: هو المعبود الحق في السماوات وفي الأرض، لا أنه بذاته في السماء وفي الأرض كما ادعى الحلولية، بقرينة: (إله) الذي استفيد منها معنى الألوهية، وهو معنى لا يلزم منه تعدد الذات بتعدد الأمكنة، كما يقال: فلان ملك في مصر، ملك في الشام، فلا يلزم من ذلك تعدد ذاته، فله ذات في مصر وأخرى في الشام، أو كونه حالا بذاته في كليهما في نفس الوقت!!!، بل إن ذلك من المحال الذاتي، ولله المثل الأعلى، فهو مع استوائه على عرشه: إله من في السماء وإله من في الأرض، ولو قال: (موجود) عوضا عن: (إله) لصح استدلالهم.

فلا يقال في هذه الآيات أيضا: إن فيها تأويلا بصرف ظاهرها عن المعنى المتبادر إلى ذهن السامع، إذ القرينة السياقية لا تنفك عن النص فهي جزء متمم لمعناه، فليست قرينة خارجية، كقرائن المتكلمين العقلية ليصح القول بأن في إعمالها تأويلا، فالتأويل إنما يكون بقرينة عقلية خارجية، والقرينة العقلية لا اعتبار لها في باب الأخبار الغيبية كما تقدم.

فحاصل المسألة أن "الظاهر" يخضع إلى أمور تعين المراد منه. من أبرزها:

أولا: دلالة اللفظ بأصل الوضع.

ثانيا: دلالة السياق الذي ورد فيه.

ثالثا: حال المتكلم فهو قرينة خارجية معتبرة في كلام البشر، ولذلك يرجع إلى القرائن الحالية في باب: "الأيمان"، إذ بها يعرف مراد الحالف، فهو مئنة مما أثاره فعقد يمينه.

رابعا: سائر القرائن المحتفة، فالقرينة العقلية لا ترد بإطلاق إن كان محل البحث حقيقة تدركها العقول، بخلاف المغيبات التي لا تدرك العقول حقيقتها، وإن تصورت معانيها الكلية المطلقة.

بتصرف من: "شرح الرسالة التدمرية"، للشيخ الدكتور: محمد عبد الرحمن الخميس، ص228.

&&&&&

ودلالة النص:

وهي دلالة اللفظ على معنى واحد جزما فلا يحتمل غيره، والنص إما أن يكون:

بأصل الوضع: كألفاظ الأعداد فهي لا تحتمل غيرها، فالثلاثة لا تحتمل أربعة، والأربعة لا تحتمل خمسة .............. إلخ، ودلالة لفظ المثنى على معناه، فهو قطعي بخلاف:

دلالة لفظ المفرد فإنه ظاهر في الواحد محتمل لغيره، كالمفرد المحلى بـ: "أل" فإنه يحتمل: الدلالة على واحد بعينه، سواء أكان ماهية كـ: "أل" الجنسية في نحو قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، أم عينا كـ: "أل" العهدية في نحو قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا)، فهي عهدية ذكرية، و"أل" العهدية بجميع أنواعها تدل على فرد بعينه، فهي في حد ذاتها قرينة مرجحة تجزم بدلالة ما دخلت عليه على واحد معين، وتقطع احتمال دلالته على أكثر من واحد.

ويحتمل الدلالة على أكثر من واحد كالمفرد المحلى بـ: "أل" الجنسية، كما في قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، فـ: "أل" في: "الإنسان" جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فتدل على أكثر من فرد قطعا بدليل جواز الاستثناء منها، والاستثناء لا يكون إلا من متعدد.

وبخلاف دلالة الجمع، فإنه قطعي الدلالة على أقل الجمع على خلاف في تحديده، ظني الدلالة على جميع أفراده.

وإما بالقرائن المحتفة: التي ترتقي بالظاهر البسيط إلى مرتبة القطعية، فيصير نصا في سياقه، وإن احتمل الضد المرجوح بأصل وضعه.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير