تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خِنْزِيرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ: اُنْفُذْ بِسَلَامٍ , فَقِيلَ لَهُ أَتَقُولُ هَذَا لِلْخِنْزِيرِ؟ فَقَالَ عِيسَى: إنِّي أَكْرَهُ وَأَخَافُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانِي النُّطْقَ بِالسُّوءِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ} الْحَدِيثَ فَهَذَا مِنْ آدَابِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ الْغَيْرِ سُوءٌ وَاقْتَضَى ذَلِكَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ لَمْ يَأْتِ الْحَاكِي بِالضَّمِيرِ عَنْ نَفْسِهِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ صُورَةِ إضَافَةِ السُّوءِ إلَيْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ يَا وَيْلِي يَجُوزُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِكَسْرِهَا , وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَا وَيْلَتِي وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا خَيْرَ فِي فُضُولِ الْكَلَامِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَنِيهِ يَا بَنِيَّ إذَا دَخَلْتُمْ عَلَى السُّلْطَانِ فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ. وَقَالُوا أَحْسَنُ الْكَلَامِ مَا كَانَ قَلِيلُهُ يُغْنِيكَ عَنْ كَثِيرِهِ وَمَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ فِي لَفْظِهِ , وَقَالُوا الْعَيِيُّ النَّاطِقُ أَعْيَا مِنْ الْعَيِيِّ السَّاكِتِ , أَوْصَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: إيَّاكَ وَالْكَلَامَ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَرُبَّ مُتَكَلِّم فِيمَا لَا يَعْنِيهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَدْ عَنَتَ , وَلَا تُمَارِ سَفِيهًا وَلَا فَقِيهًا , فَإِنَّ الْفَقِيهَ يَغْلِبُكَ وَالسَّفِيهَ يُؤْذِيكَ , وَاذْكُرْ أَخَاكَ إذَا غَابَ عَنْكَ بِمَا تُحِبُّ أَنْ تُذْكَرَ بِهِ , وَدَعْ مَا تُحِبُّ أَنْ يَدَعَكَ مِنْهُ , وَاعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُجَازَى بِالْإِحْسَانِ وَيُكَافَأُ. وَقَالَ بَعْضُ قُضَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ عَزَلَهُ لِمَ عَزَلْتَنِي؟ فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ كَلَامَكَ مَعَ الْخَصْمَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمَيْنِ , وَتَكَلَّمَ رَبِيعَةُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ الْكَلَامَ وَأَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَإِلَى جَنْبِهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لَهُ: يَا أَعْرَابِيُّ مَا تَعُدُّونَ الْبَلَاغَةَ؟ قَالَ: قِلَّةُ الْكَلَامِ قَالَ: فَمَا تَعُدُّونَ السَّعْيَ فِيكُمْ؟ قَالَ: مَا كُنْتَ فِيهِ مُنْذُ الْيَوْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ. عَجِبْتُ لِإِدْلَالِ الْعَيِيِّ بِنَفْسِهِ وَصَمْتِ الَّذِي قَدْ كَانَ بِالْقَوْلِ أَعْلَمَا وَفِي الصَّمْتِ سَتْرٌ لِلْعَيِيِّ وَإِنَّمَا صَحِيفَةُ لُبِّ الْمَرْءِ أَنْ يَتَكَلَّمَا وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَعِيبُ كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَيَقُولُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي النِّسَاءِ أَوْ الضُّعَفَاءِ , وَذَمَّ أَعْرَابِيٌّ رَجُلًا فَقَالَ هُوَ مِمَّنْ يَنْأَى الْمَجْلِسَ أَعْيَى مَا يَكُونُ عِنْدَ جُلَسَائِهِ , وَأَبْلَغُ مَا يَكُونُ عِنْد نَفْسِهِ وَقَالَ الْمُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ لِأَعْرَابِيٍّ مَا الْبَلَاغَةُ؟ فَقَالَ: الْإِيجَازُ فِي غَيْرِ عَجْزٍ , وَالْإِطْنَابُ فِي غَيْرِ خَطَلٍ. وَقَالَ الْأَحْنَفُ الْبَلَاغَةُ الْإِيجَازُ فِي اسْتِحْكَامِ الْحُجَّةِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ مَا يُكْتَفَى بِهِ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: لِرَجُلٍ كَثِيرٌ كَلَامُهُ: إنَّ الْبَلَاغَةَ لَيْسَتْ بِكَثْرَةِ الْكَلَامِ , وَلَا بِخِفَّةِ اللِّسَانِ , وَلَا بِكَثْرَةِ الْهَذَيَانِ , وَلَكِنَّهُ إصَابَةُ الْمَعْنَى وَالْقَصْدُ إلَى الْحُجَّةِ , وَسُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ مَا الْبَلَاغَةُ؟ قَالَ: " الْقَصْدُ إلَى عَيْنِ الْحُجَّةِ بِقَلِيلِ اللَّفْظِ " , وَقِيلَ لِبَعْضِ الْيُونَانِيَّةِ مَا الْبَلَاغَةُ؟ قَالَ: " تَصْحِيحُ الْأَقْسَامِ , وَاخْتِيَارُ الْكَلَامِ " , وَقِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ الرُّومِ مَا الْبَلَاغَةُ؟ فَقَالَ: " حُسْنُ الِاقْتِصَادِ عِنْدَ الْبَدِيهَةِ , وَإِيضَاحُ الدَّلَالَةِ , وَالْبَصَرُ بِالْحُجَّةِ , وَانْتِهَازُ مَوْضِعِ الْفُرْصَةِ " , وَفِي الْخَبَرِ الْمَأْثُورِ " الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي ثَلَاثٍ: السُّكُوتِ , وَالْكَلَامِ , وَالنَّظَرِ , فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ سُكُوتُهُ فِكْرَةً , وَكَلَامُهُ حِكْمَةً , وَنَظَرُهُ عِبْرَةً ". وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي كَثْرَةِ الْكَلَامِ وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. أَعْمَالُهُمْ أَبَدًا يَتَكَلَّمُونَ وَلَا يَصْمُتُونَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَإِنَّ لِسَانَ الْمَرْءِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَصَاةٌ عَلَى عَوْرَاتِهِ لَدَلِيلُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ هَانِئٍ: إنَّمَا الْعَاقِلُ مَنْ أَلْجَمَ فَاهُ بِلِجَامِ مُتْ بِدَاءِ الصَّمْتِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ دَاءِ الْكَلَامِ وَقَالَهُ آخَرُ: يَمُوتُ الْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ بِلِسَانِهِ وَلَيْسَ يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ فَعَثْرَتُهُ مِنْ فِيهِ تَرْمِي بِرَأْسِهِ وَعَثْرَتُهُ بِالرِّجْلِ تَبْرَى عَلَى مَهْلِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَا أَنْشَدَهُ بَعْضُهُمْ: سَأَرْفُضُ مَا يُخَافُ عَلَيَّ مِنْهُ وَأَتْرُكُ مَا هَوِيتُ لِمَا خَشِيتُ لِسَانُ الْمَرْءِ يُنْبِئُ عَنْ حِجَاهُ وَعِيُّ الْمَرْءِ يَسْتُرُهُ السُّكُوتُ.

ويليه إن شاء الله تعالى الحلقة السابعة: =

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير