[قبل أن تبرد النار .. عاجل إلى أصحاب العلم والرأي والقرار]
ـ[محمد المصري]ــــــــ[05 Feb 2009, 12:47 ص]ـ
[قبل أن تبرد النار .. عاجل إلى أصحاب العلم والرأي والقرار]
بقلم: د. عبدالعزيز كامل
وأعني بهم أولئك المقدمين شرعًا، والمؤخرين واقعًا، عن الحق الواجب في إبداء الرأي وترشيد القرار، في كل ما يتعلق بقضايا أمتنا الكبار، وهم أهل العلم والفقه والفكر والتخصص، أولئك المعبر عنهم في الشريعة بولاة الأمر، أو أهل الحل والعقد، حيث إن هؤلاء العلماء والحكماء هم الذين يقومون في الأمة مقام الأنبياء، إظهارًا للحق وإبطالًا للباطل، وتبيينًا للأمور وتثبيتًا للصواب.
وهؤلاء لا يزالون كثيرون في الأمة، ولكن جرى عزل أكثرهم عمليًّا عن طريق العلمانيين والمنافقين المصرين على فصل السياسة عن الدين، ليخلص لهؤلاء الساسة أمر الحل والعقد، والإبرام والنقض في كل ما يتعلق بالشئون المصيرية للأمة الخيرية التي ربطت خيريتها بالتزام المعروفات وحمايتها، واجتناب المنكرات ومحاربتها.
لن أخوض في الكثير من مظاهر ذلك التغيير الذي أحدثه المنافقون في بنية المنظومة القيادية للأمة الإسلامية، فقد سبق لي ولغيري كثير من التذكير بوجوب إعادة الحق المغتصب من "مؤسسة الحل والعقد"المغيبة في الغالبية العظمى من بلاد المسلمين منذ عشرات السنين، ولكني أنتهز تلك الهزة المزلزلة في غزة، والتي ظهر فيها عوار صناع القرار من الساسة بعيدًا عن ثوابت الأمة، ومن ثم بعيدًا عن فطرتها الشاهدة على خيريتها إلى يوم الدين؛ لأقول لقادة الأمة الحقيقيين المفتئت عليهم: لا تتركوا الأمور تبرد ببرود نار العار التي مهدوا لها بالحصار، خاصةً وأن آثار الحصار والنار لا تزال تحرق قلوبنا، مما نراه من واقع إخواننا، لا في غزة وحدها ولكن في فلسطين كلها.
وأقول أيضًا: إذا كان الله تعالى قد شاء أن تنطفئ نار شواء البشر، التي شارك في إضرامها كثير من الساسة صناع القرار، إما بالنفخ أو الذبح، أو بجمع الحطب أو بتشجيع آل أبي لهب؛ فإن النصر الذي كتبه الله رغمًا عنهم جميعًا، لا ينبغي أن يلهينا عن أن ما حدث من حصار ودمار، يمكن أن يتكرر في أي وقت، وفي أي بلد، مادام العلمانيون المنافقون هم المحتكرون وحدهم لتصميم وتنفيذ وتوظيف كل المواقف السياسية الأساسية في قضايانا المصيرية.
وليس المجال مجال استعراض مظاهر احتكار العلمانيين للقرار في كل الميادين، ولكني سأكتفي بأشياء واضحة مما حصل ويحصل في قضية فلسطين، باعتبارها القضية الأولى لكل المسلمين، والتي ما كان ينبغي فيها على وجه الخصوص أن يتجهم هؤلاء لكلمة الدين، ويتنكروا لنداءات علماء المسلمين، منذ بدأت النكبة وحتى يومنا هذا، وهو ما زالت الأمة تجني ثماره المُرة في كل مَرة، وآخرها ما حدث في غزة.
إذا كان مشهد الحرب التي جرت في غزة رهيبًا في فظاعته الحربية، وغريبًا في تناقضاته الإقليمية، وعجيبًا في تداعياته المحلية والعالمية؛ فإن ذلك كله لم يأت من فراغ دون سابق مقدمات أو مبررات أو مسوغات، بل كان ذلك المشهد نتيجة حتمية لسلسلة من السياسات والتصرفات والقرارات، التي أُديرت بها قضية فلسطين في سنواتها التسعين، منذ أن احتلها النصارى الإنجليز، ليهيئوها لأعدى أعداء الأمة من اليهود، حتى تعود تلك الأرض المقدسة شبه خالصة لكفار أهل الكتاب، بتواطؤ أو تخاذل أو إهمال جسيم من طرف العلمانيين تظهر فصوله كل حين.
أخطاء المقدمات وخطايا النتائج
إن المشهد العربي الحالي الشاذ الذي شهدناه وشهده العالم منذ بدء الحصار، والمستمر إلى الآن على أهل غزة؛ هو نهاية مشوار طويل تراكمت فيه التراجعات والتنازلات التي تحولت إلى مؤامرات مُرَسمة وخيانات مقننة، وكلها جرت في ظروف عزل قصري وأحيانًا اختياري، لأكثر علماء الأمة ومفكريها عن مسار التأثير في أحداث تلك القضية، التي جسدت فصولها مثالًا صارخًا يعكس مدى الخطر الداهم للفكر العلماني، حين يتحول أصحابه من المنافقين والمتميعين وفاقدي الهوية إلى أهل حل وعقد، بل إلى أهل تقرير للمصير في عظائم الأمور المتعلقة بمستقبل أمتنا الإسلامية، وقد أبانت حرب غزة وما قبلها وما بعدها، أن هناك إصرارًا معاندًا ومستمرًا على استبعاد كلمة الدين في أهم الأمور التي تخص قضية فلسطين!!
¥