ومما يميز العربية في هذا السياق, وبضعَ لغات أخرى, هو اتصالها الوثيق بالدين, فالعربية لغة عبادة. والدين هو الذي حمى العربية من الموت خصوصا في العصر الحديث. وربما تأتي بعد العربية العبرية التي يعد بقاؤها إلى اليوم معجزة بعد تشتت قومها وتشردهم, ولكن اتصالها بالمعتقد اليهودي جعلها تبقى ما بقيت اليهودية.
ومن هذا, فإن العربية, ككل اللغات, تتطور وتؤثر وتتأثر وتشهد الازدهار والضعف على حد سواء, وذلك بتطور متكلميها أو ضعفهم. وهي اليوم ضعيفة لضعف العرب في كل المجالات, ليس فقط السياسية أو الاقتصادية, بل الأدبية كذلك. وقد عرفت العربية نهضتها وتطورها بمجيء الإسلام وقيام الدولة الإسلامية وقوتها, فكانت لغة قوية وكان الغرب يفخرون بمعرفتهم العربية مثلما يفخر العربي اليوم بمعرفته لغة الغرب. وبضعف هذه الدولة وتشتتها وتمزقها وتفرقها ضعفت اللغة وباتت مغلوبة على أمرها. ولولا الدين الإسلامي لاندثرت.
وإذا قارننا نظام العربية بالنظم اللغوية الأخرى, وجدنا مشابهات كثيرة بينها. وهذه المشابهات لا تعني أن يكون الشيء نفسه الموجود في العربية موجودا في اللغة الأخرى, بل يعني أن المبدأ الذي قام عليه ذلك الشيء موجود في اللغة الأخرى ولكن بتحقيق آخر. فقولنا مثلا أن العربية لغة إعرابية دون ذكر النصب والرفع والكسر كاف لأن نقول بأن مبدأ الإعراب موجود في العربية, وهو موجود في أغلب لغات العالم, ولكن بطرق مختلفة. أما التنوين فهو مورفيم تنكير, يدخل على الاسم والصفة, وعلى هذا فكل لغة تضيف مورفيما للتنكير, سواء قبل الكلمة أو بعدها أو وسطها, فإنها مشابهة للعربية. والنحت موجود في لغات كثيرة كالألمانية وهي فيه أقوى من العربية بكثير (الألمانية حسب رأيي أطوع لغة درستها إلى اليوم, أطوع من العربية كثيرا). أما الإهمال والإعجام فهو تغير في تحقيق الصوت أو المقطع وليس بخصيصة تنفرد بها العربية. والاشتقاق موجود في أكثر اللغات, ولكن بطرق مختلفة, بالسوابق واللواحق والمتوسطات وفي العربية بالتداخل المقطعي. والترادف أمر لا نحتاج أن نقول فيه أنه موجود في لغات أخرى, لأنه من البداهة بمكان. والمشترك اللفظي هو أمر مطرد في اللغات بحمل لفظ على عدة معان أو صور تعبيرية أو سياقية. وكل الخصائص النحوية الموجودة في العربية موجودة في لغات أخرى, ولكن على صور أخرى. وكل لغة تتميز عن غيرها في أمر أو أكثر وتختلف عنها في أمر أو أكثر, وهذا هو اختلاف الألسن الذي خلقه الله تعالى. وإن الناظر في هذا التوزع اللغوي في العالم لينبهر من قدرة الله تعالى على تنويع الألسن وجعلها مختلفة ومتميزة, كل بشيء. وكل لغة تكفي متكليمها لغةً بأن يعبروا بها عن أفكارهم ورغباتهم ويتواصلوا فيما بينهم, فتلك لغة عظيمة, سواء كان عددهم ألفا أو ملايين, لأنها حققت الغرض الأساس منها.
ولو قارننا الأدب العربي بغيره, لقلنا أن الأدب العربي ثري جدا جدا, وذلك في عصر الازدهار, ثم انحدر ليرتفع الأدب الغربي ومقارنة بسيطة بين عدد المنشورات من كتب ومجلات في فرنسا مثلا وفي كل الدول العربية مجتمعة يكشف حجم الهوة التي وصل إليها الأدب العربي.
ودعني أخي الكريم أختم لك بقصة قصيرة عن لغة قلبت كل النظريات اللسانية رأسا على عقب وأسقطت مشاريع البنيويين وتشومسكي في الماء, هي لغة التاغالوغ في الفيلبين. يتكلمها حوالي 22 مليون شخص. هذه اللغة ليس فيها فاعل إعرابي (أؤكد: فاعل إعرابي وليس معنويا) ونظرية تشومسكي في النحو الكلي الذي يريد منه أن يضع قالبا يحتوي كل لغات العالم, قائمة على أن الفاعل الإعرابي وحدة كلية موجودة في كل اللغات, فلما عرفوا التاغالوغ انصدموا وذهبوا كل مذهب, فمن قائل أنها لغة مؤسسة على البناء للمجهول, ومن قائل أنها لغة بدائية فسد نظامها عبر الزمن, ومن قائل بأنها الاستثناء الوحيد. مثل هذه اللغة ألا يحق لها أن تقول بالتميز والانفراد؟ ولو ادعته لقيل لها حُق لك. أما أنا فأقول سبحان الله نوع الألسن وأظهر بديع صنعته فيها.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 05:03 م]ـ
: rolleyes:;););)
لن أكتب أي كلمة من عندي بل سأنقل ما قاله علماء الغرب
عن لغتنا، التي ذهبت تنقض خصيصة خصيصة من خصائصها
المعروفة:
1 - قال كارلونلينو: اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقاً وغنى، ويعجز
اللسان عن وصف محاسنها.
2 - قال فان ديك (الأمريكي): العربية أكثر لغات الأرض امتيازاً، وهذا
الامتياز من وجهين: الأول: من حيث ثروة معجمها. والثاني: من حيث استيعابها آدابها.
3 - قال الدكتور فرنباغ (الألماني): ليست لغة العرب أغنى لغات العلم
فحسب، بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العدّ، وإن اختلافنا
عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا نحن الغرباء عن العربية وبين ما ألفوه
حجاباً لا يتبين ما وراءه إلاَّ بصعوبة.
4 - قال فيلا سبازا: اللغة العربية من أغنى لغات العالم، بل هي أرقى من لغات
أوروبا لتضمنها كلَّ أدوات التعبير في أصولها في حين ان الفرنسية والإنجليزية
والإيطالية وسواها قد تحدرت من لغات ميتة، ولا تزال حتى الآن تعالج رمم تلك
اللغات لتأخذ من دمائها ما تحتاج إليه.
ولقد بلغ ولع غير العرب باللغة العربية إلى حد المباهاة بتعلمها. فهذا الخوارزمي وهو فارسي الأصل يقول: (والله لأن أهجى بالعربية خير لي من أن أمدح بالفارسية.).
¥