تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فدلالة الربوبية على الألوهية: دلالة التزام، إذ يلزم من أقر بربوبية الله، عز وجل، أن يقر بألوهيته فرعا عليها، فعلة كونه الإله المعبود أنه الرب الخالق البارئ المصور الملك المالك المدبر الرازق ................ إلخ من أوصاف الربوبية، ولكن قد يقر كثير من البشر، بالملزوم دوم لازمه، كما في قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)، فقد أقروا بالعلة ولم يقروا بالمعلول، واعترفوا بصحة المقدمة، وطعنوا في النتيجة، في تناقض يظهر بأدنى تأمل.

بينما دلالة الألوهية على الربوبية: دلالة تضمن، إذ لا يتصور أن يقر العبد بأن الله، عز وجل، هو الإله المعبود دون أن يسبق ذلك إقرار بكونه الرب، إذ التصور يسبق الحكم، فلا يتصور حكم الألوهية دون سبق تصور الربوبية.

يقول ابن أبي العز رحمه الله:

"التَّوْحِيدُ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ، وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، هُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ الْمُتَضَمِّنُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ خَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاحِدٌ، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ". اهـ

"شرح العقيدة الطحاوية"، ص29.

ويقول في موضع تال:

"وَتَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ مُتَضَمِّنٌ لِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ دُونَ الْعَكْسِ. فَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ يَكُونُ عَاجِزًا، وَالْعَاجِزُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. قَالَ تَعَالَى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ". اهـ

"شرح العقيدة الطحاوية"، ص37.

ومن ذلك أيضا:

دلالة الكلام على: اللفظ والمعنى:

وهي المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أصحاب المقالات:

فأهل السنة: يقولون: الكلام لفظ ومعنى، فدلالته على كليهما: دلالة مطابقة، وعلى أحدهما: دلالة تضمن.

بينما المتكلمون يقولون: الكلام هو المعنى الواحد، القائم بالذات، فدلالته على المعنى عندهم: دلالة مطابقة، إذ ليس اللفظ جزءا من مسماه، وإنما يدل عليه التزاما، فالقرآن الذي بين أيدينا هو حكاية لما قام بذات الله، عز وجل، من كلام نفسي، والحكاية غير المحكي.

والفصل بين اللفظ والمعنى أمر يخالف الشرع والعقل، إذ لا انفكاك بينهما إلا في الذهن، ولذلك عرف النحاة الكلام بأنه: لفظ مفيد، كما ذكر ذلك ابن مالك، رحمه الله، في مطلع ألفيته، فاللفظ جزء من مسمى الكلام، والفائدة وهي لا تكون إلا معنى تدركه العقول جزء ثان، فيكون الكلام: لفظا ومعنى.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، حاكيا مقالة السلف في هذه المسألة:

"وَقِيلَ: اسْمٌ لَهُمَا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ. (أي أن الكلام: اسم للفظ والمعنى معا). وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْجُمْهُورِ فَإِذَا قِيلَ: تَكَلَّمَ فُلَانٌ: كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهَا أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ} وَقَالَ: {كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ} وَقَالَ: {أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ: كَلِمَةُ لَبِيدٍ. أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ} وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير