تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أو يقولوا: يلزم من قولكم: إن لله، عز وجل، صفات السمع والبصر ................. الخ، تشبيه الخالق بالمخلوق الذي له سمع وبصر ............ ، فيقول أهل السنة: لا يلزمنا هذا اللازم الباطل، لأن الكلام على الصفات فرع عن الكلام على الذات، فلما كانت ذات الله، عز وجل، لا تشبهها ذات أخرى، وإن أطلق على الكل اسم: "الذات"، فكذلك صفاته لا تشبه صفات أحد من خلقه، وإن أطلق على الكل اسم: "الصفات"، فلا يلزم من اشتراك الخالق، عز وجل، في اسم صفة السمع مع المخلوق أن سمع الخالق كسمع المخلوق، فهما يجتمعان في: الاسم الكلي المطلق الذي لا يوجد إلا في الأذهان، لا: المسمى الموجود خارج الذهن، فشتان سمع الخالق، عز وجل، المحيط بكل المسموعات وسمع المخلوق العاجز، فهما يشتركان من جهة "التواطؤ اللفظي" أو "الاشتراك المعنوي"، أي وجود أصل الصفة أو معناها الكلي المطلق دون تشابه أو تماثل في الحقيقة الخارجية، كضوء الشمس وضوء المصباح، يجتمعان في معنى: الضوء، ويختلفان في الحقيقة الخارجية، فلا وجه للمقارنة بينهما من جهة الشدة أو الحرارة ........... إلخ، ولله المثل الأعلى.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "التدمرية":

"ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء وكانت تلك الأسماء مختصة به، إذا أضيفت إليه، لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين، وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة، والتخصيص اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص، فقد سمى الله نفسه حيا، فقال: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وسمى بعض عباده حيًا، فقال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم: 19]. وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأن قوله: (الحي) اسم لله مختص به وقوله: يخرج الحي من الميت اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرًا مشتركا بين المسميين وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق، ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق، للخالق في شيء من خصائصه، سبحانه وتعالى". اهـ

وعليه فهذا اللازم لا يجوز إضافته إليه بعد أن بين هو وجه امتناع التلازم بين قوله وبين ما أضيف إليه.

ثالثا: أن يكون اللازم مسكوتا عنه فلا يذكر بالتزام ولا منع، فهذا حكمه ألا ينسب إلى القائل، لأنه إذا ذكر له اللازم: فقد يلتزمه، وقد يمنع التلازم، وقد يتبين له وجه الحق فيرجع عن اللازم والملزوم جميعا، ولأجل هذه الاحتمالات لا ينبغي إضافة اللازم إليه، لا سيما أن الإنسان بشر يعتريه ما يعتريه مما يوجب له الذهول عن اللازم، فقد يغفل أو يسهو، أو ينغلق فكره، أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تدبر في لوازمه، ونحو ذلك.

وخير شاهد لذلك:

قول الغزالي، رحمه الله، لظاهر العباداني: "لا تعلق كثيرا لما تسمع مني في مجالس الجدل، فإن الكلام فيها يجري على ختل الخصم، ومغالطته، ودفعه، ومغالبته". فهي مظنة الانتصار بأي رأي دون الالتفات إلى لوازمه، والله أعلم.

يقول شيخ الإسلام، رحمه الله، في "مجموع الفتاوى": "ولو كان لازم المذهب مذهبا للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه حقيقة". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير