تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"إن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل دون غيره وسمى بالاسم المشتق منها ذلك المحل دون غيره". اهـ

"شرح العقيدة الأصفهانية"، ص19.

وإنما يصح إطلاق وصف: "كلمة الله" على المسيح عليه الصلاة والسلام على جهة: صدور المسَبَب فرعا على سببه، فالكلمة التكوينية: "كن": سبب، والمسيح عليه الصلاة والسلام: مسَبَب عنها، فبها كان، لا أنه هو ذات الكلمة.

فمن قال بأن إثبات صفة القدرة لله، عز وجل، يلزم منه التشبيه، لأن المخلوق يوصف بالقدرة، فقد خلط بين الحقائق الذهنية المجردة والحقائق العينية المقيدة، فليس من لازم الاشتراك في الأولى الاشتراك في الثانية، بل القدرة: معنى كلي، يتبع الموصوف الذي يقوم به، فقدرة زيد غير قدرة عمرو ................. إلخ، وكذا يقال في حق الله عز وجل: فقدرته تبع لذاته القدسية المتصفة بكل كمال المنزهة عن كل نقص، فله القدرة التامة والمشيئة النافذة، بخلاف قدرة المخلوق المحدودة، فآلت حقيقة الصفة إلى حقيقة الموصوف، لأنها فرع عليه، فكما أن الله، عز وجل، ليس كمثله شيء في ذاته، فكذلك في صفاته، ومنها القدرة، فليس كقدرته قدرة زيد أو عمرو أو بكر ................ إلخ، فهو أمر مطرد في كل صفات الله، عز وجل، وأفعاله.

وكما أننا لا ندرك كيفية ذاته، جل وعلا، وإن كنا نؤمن بوجودها، فكذلك صفاته: فنحن نؤمن بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا نخوض في كيفيته، لأن الخوض فيه فرع على الخوض في كيفية ذاته، والعقول تعجز عن إدراك الأصل، فكذلك الفرع، فمن سأل عن كيفية صفة من صفاته، قيل له: كيف هو في ذاته؟، فإن قال: لا أدري، قيل له: فإن الكلام في الصفة التي سألت عنها فرع على الكلام في ذاته، فمن عجز عن إدراك كيفية الذات فهو عاجز عن إدراك الصفات، والشيء لا تدرك حقيقته إلا بـ: رؤيته، أو رؤية نظيره، أو خبر صادق عنه، وكلها محالة في حق الله عز وجل: فلا يراه أحد في الدنيا، وإنما يراه المؤمنون رؤية تنعم لا رؤية إدراك في الجنة، ولا نظير له، ولم يره أحد من أهل الدنيا ليصفه لنا، فيحق لنا تكييف صفاته عز وجل.

ومن ينفي الصفات فإنه يثبت ولو: صفة الوجود، فيقول بأن: الله، عز وجل، موجود، ولو وجودا مطلقا، فيلزمه في الوجود ما يلزمه في الصفات التي نفاها، فإما أن يطرد الباب في النفي، فيقول: المخلوق يتصف أيضا بالوجود، فلا يجوز وصف الله، عز وجل، بالوجود، لئلا نقع في التشبيه، فيكون قد نفى حقيقة الباري، عز وجل، ووصفه بالعدم، وإما أن يطرد الباب في الإثبات، فيقول: وجوده، عز وجل، ليس كوجود خلقه، وإن اشترك الجميع في المعنى الكلي للوجود، فوجوده: واجب، ووجود: خلقه: ممكن، فيلزمه ذلك في باقي الصفات، وهو قول أهل السنة الذين اتبعوا النقل الصحيح وأعملوا العقل الصريح، وفي التنزيل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فـ: ليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، و: هو السميع البصير، سمعا وبصرا ليسا كسمع وبصر المخلوق.

فالحاصل أن: إثبات القدر المشترك في دلالة الألفاظ على معانيها وهو: المعنى الكلي المطلق، لا يلزم منه تشبيه، بل هو لازم لفهم الخطاب، فمن نفاه فقد: وقع في التعطيل، ومع إثباته لا بد من إثبات القدر الفارق: وهو الذي تتمايز فيه الأعيان خارج الذهن، فيكون وجود هذا غير وجود هذا، وسمع هذا غير سمع هذا، فمن نفاه فقد: وقع في التشبيه، لأن القدر الفارق هو الفيصل بين أفراد النوع الواحد، فهو الذي يفصل بين أفراد: الوجود، كما تقدم، فيميز: واجب الوجود من ممكن الوجود من مستحيل الوجود، فمن أنكره، فقد سوى بين كل الأفراد فجعل الواجب هو عين الممكن هو عين المحال، وهذا قول أهل وحدة الوجود الذين ظنوا الوجود: واحدا بالعين، فجعلوا وجود الخالق، عز وجل، هو عين وجود المخلوق، والصحيح، كما تقدم، أن الوجود: واحد بالنوع ينقسم إلى أفراد: فواجب الوجود هو الباري، عز وجل، وممكن الوجود هو المخلوق، ومحال الوجود كاتصاف الباري، عز وجل، بأي نقص، فلم يلزم من اشتراكها في النوع اشتراكها في العين.

والله أعلى وأعلم.

يتبع إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير