تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فعند افتراقهما يدل كل واحد منهما على الآخر، وعند اقترانهما يستقل الفقير بمعنى، والمسكين بمعنى آخر، فالأول أشد حاجة من الثاني كما تقرر في كتب الفروع في بيان أصناف مستحقي الصدقة الواجبة في كتاب الزكاة، وفي التنزيل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم).

وكذلك "الكفر" و "الشرك":

فإنهما إذا اقترنا دل كل منهما على معنى، فليس كل كفر شركا، وإن كان كل شرك كفرا، فالأول أعم من الثاني، فبينهما عموم وخصوص مطلق، فإذا اقترنا استقل الشرك بمعناه، واستقل الكفر ببقية صوره ما عدا الشرك، وإذا افترقا: دل الكفر على الشرك تضمنا، فشمله وشمل كل صور الكفر.

و "الكتاب" و "الحكمة":

فقد قال بعض أهل العلم: إن اقترنت "الحكمة" بـ: "الكتاب" فهي: "السنة"، وإن انفردت فهي:

"القرآن"، كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا).

أو: الوحي عموما: قرآنا وسنة.

وأشار الحافظ، رحمه الله، إلى معنى كلي جامع فقال: "وقيل: المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح". اهـ

وكذلك: "البر والتقوى" و "الإثم والعدوان".

ودلالة الاقتران والافتراق مما يستحق التتبع والاستقراء، وبها أزيلت كثير من الإشكالات، كإشكال دخول الأعمال في مسمى الإيمان، الإشكال الشهير بين أهل السنة من جهة، والمرجئة ومن تابعهم من متأخري المتكلمين من جهة أخرى، وعمدة الفريقين واحدة، وهي الآيات التي عطف فيها العمل على الإيمان من قبيل:

قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات):

فالمرجئة والمتكلمون يقولون: العطف يقتضي التغاير، فالإيمان شيء والعمل شيء آخر، فإما أن يدل الإيمان على العمل دلالة لزوم، أو دلالة ثمرة، فيكون العمل ثمرة الإيمان، والثمرة ليست جزءا من الأصل.

وأهل السنة يقولون: العطف عطف خاص على عام، تنويها بذكره، فيكون داخلا في الإيمان تضمنا، ومن ثم أفرد بالذكر فدل على معناه مطابقة، فإذا أفرد الإيمان بالذكر تضمن أعمال القلوب والجوارح، وإذا اقترن بالعمل، استقل بأعمال القلوب، وانفردت مادة "العمل" التي اقترنت به بأعمال الجوارح، ولا يمنع ذلك، عند التحقيق، من دخولها في مسمى الإيمان، ولو اقترنت به: دخول خاص في عام، فيكون قد ذكر في العام ضمنا، ثم أفرد بالذكر تنويها بشأنه على التفصيل المتقدم.

وليس كل عطف يقتضي المغايرة، وفي التنزيل: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)، وربهما واحد، وإن عطف الأول على الثاني، فالعطف هنا: عطف أوصاف لا ذوات، كما أثر ذلك عن الشافعي، رحمه الله، في احتجاجه على مرجئة زمانه.

&&&&&

دلالة الاقتضاء:

وهي دلالة السياق على محذوف لا يستقيم الكلام إلا بذكره، كما في:

قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)، أي: فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.

وقوله تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا)، أي: فضرب فانفجرت.

وقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، أي: فأفطر فصيامه عدة من أيام أخر، أو فعليه الصيام في عدة من أيام أخر، خلافا للظاهرية، رحمهم الله، الذين قالوا بالقضاء مطلقا.

وقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ)، أي: فحلق ففدية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير