تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التوت شفتاها بابتسامة ساخرة وتمكنت بطريقة ما من أن تودعه وتتمنى له الحظ والتوفيق في حياته الجديدة .. نظرت بفضول إلى تكشيرة وجهه .. و لكن سرعان ما رقت ملامحه وابتسم بجاذبية وبضيق .. نظرت له للمرة الأخيرة تستنكر ما يحدث وسرعان ما احتلت الدموع عينيها مجددا .. إغرورقت الدموع في عينيه أيضا ولكنها ترجته بأن لا يبكي فذلك حتما سيقتلها .. لن تستطيع أن ترى دموعا أخرى في عينيه ... امتثل لكلامها .. والآن حان وقت الوداع .. بقبلة على الجبين ودعها .. ورحل ..

ظلت هناك لفترة ليست بالقصيرة تصارع طيفه وتحاول إقناع نفسها بأنه قد رحل فعلا .. وحينما لم يعد نهرت نفسها قائلة قلت لكي بأنه قد رحل والى الأبد!

غالبت دموعها حينما مر شريط الذكريات هذا .. احتضنت نفسها بعذاب وامتدت يدها لهاتفها النقال الملقى بإهمال على طرف الطاولة لتتأكد بأنه قد هاتفها قبل ساعة تقريبا .. لقد عاد ويريد لقائها والوفاء بوعده القديم كما لمح لها .. ماذا حدث ليست تدري ولماذا عاد؟ لقد تحرر من وعده كما تذكر .. ظلت هنا قرابة الساعة تفكر وتفكر هل تذهب للقائه أم لا .. هل ترمي بطلبه عرض الحائط .. إن أرادت الحقيقة فهو يستحق ذلك ..

بعد فترة نهضت .. مسحت دموعها بقسوة سرحت شعرها بإتقان ووضعت ماكياج خفيف وعمدت إلى وضع احمر شفاه غامق .. لماذا فعلت ذلك أيضا لا تعلم .. باغتها صوت خفي تعلمين لماذا. لأنه يكره هذا اللون. ربما بدأت بالتمرد ربما لم يعد يهمها رضاؤه .. رغم امتلاكه لقلبها حتى الآن فهي لم تنسى الليالي الطوال التي قضتها في نحيب طويل و صباحاتها البائسة .. ورقصاتها المذبوحة على أنغام أغنيتهما المفضلة .. وتساءلت كثيرا هل لا تزال أغنيته المفضلة أم انه قد نسيها أيضا؟؟؟ .. طردت هذه الأفكار من رأسها ووضعت هاتفها في حقيبتها وخرجت مسرعة إلى المكان الذي حدده على عجل ..

صحيح بأن الشجاعة لا تباع في زجاجات .. فهي لم تقوى على التقدم خطوة واحدة وعاجلها الشوق بإصرار .. وتسارعت خفقات قلبها بجنون وسعادة .. ولكن نظرة الخوف غلفت عينيها بقوة .. و ظلت لفترة تنظر إليه من بعيد وهو يقلب نظره شمالا ويمينا ينظر للمارة تارة وللبحر تارة .. قررت التقدم وتقدمت بخطوات مهتزة .. ابتسمت بثقة لم تكن تشعر بها إطلاقا حينما لمحها وابتسم لها .. أذهلتها ابتسامته الفتاكة .. تلعثمت في التحية ولكنه احتوى اضطرابها بابتسامة أخرى هادئة. تمعنت فيه جيدا .. لقد تغير كثيرا .. وبد ا أكثر وسامة وأكثر نحافة ولكن أجمل ما فيه حفاظه على الزي العماني التقليدي وهذا ما قدرته فيه كثيرا .. احترقت يدها بين يده حينما صافحها .. سحبت يدها بسرعة و اعترت عيناها فجأة نظرة غريبة .. وسألت خفقات قلبها هل ما تعيشه الآن حقيقة أم انه سرعان ما ستستفيق من هذا الحلم .. صوته أعادها إلى الواقع وأكد لها بأنه فعلا قد عاد .. سألها بسرعة عن حياتها وعملها فأجابته باقتضاب وضيق .. للحظة ظنت بأنه سيغضب ولكنه تفهم تغير مزاجها فجأة .. ليس من العدل بأن يبدو في قمة الهدوء والوسامة فيما هي ترتسم كل علامات الحزن والضيق في وجهها .. وليس من الإنصاف أن يطلب لقاؤها بعد كل ما حدث وبعد كل هذه السنوات، نعم هي تعلم بأنه تعذب بقدر ما تعذبت ولكنه لم يعلم بأنها رأته في عيون كل رجل صادفها ورأت عيناه في كل مكان .. وابتسامته المهلكة في كل صفحات كتبها وفي أوراقها أيضا وكم كم رسمت عيناه بوجل .. ولم يعلم بأنها أعلنت تحجر قلبها بعده فلا شخص بنظرها يستحقه سواه.

لن تبكي .. أمرت نفسها بغضب ولن تنحني .. ولن تسامحه .. لقد اختصر هو ذاك اليوم بسرعة وستفعل هي ذلك أيضا ستختصر كل أحلامه فليتألم مثل ما جعلها تتألم وسط لياليها الموحشة .. طفق يتحدث عن السنوات التي قضاها بعيدا وكيف قضاها وفهمت من حديثه الطويل بأنه قد حقق هدفه وعاد إلى بلده حاملا الشهادات والطموح ومتأكدا بان مستقبلا واعدا مشرقا ينتظره .. ومع كثرة كلامه شعرت بالضجر فرفعت يدها تمنعه من مواصلة حديثه .. صمت فتجاهلت نظرة التساؤل في عيناه واكتفت بالقول بأنها على عجلة و سعدت لرؤيته وتود الرحيل كما أنها تتمنى له مستقبلا مشرقا واعدا .. لم تخطئ الصدمة في عيناه ولا التوتر في ارتعاش يده حينما مررها على جبينه العريض .. طالبها بتفسير .. فغضبت بشدة لماذا التفسير ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير