تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مِن دفاتر مذكراتي

ـ[هدى عبد العزيز]ــــــــ[24 - 10 - 2010, 06:41 م]ـ

لفتتْ نظري منذُ حضوري إلى مدرستهم في اليوم الأول من ندبي لهم, بسب العجز في عدد الإداريات بمدرستهم, ولأنني كُنت قد حضرتُ وأنا على غير رغبة بهذا الندب لبعد المسافة بين بيتي ومدرستهم أقصد ُمدرستي الجديدة الآن , ولكني رضيتُ نفسا بهم بعد عدة أيام حينما أوهمتُ خاطري الغاضب بأن هذا هو حال التعليم لدينا دائما في قصور وعجز ٍفي الأعداد!!! ثُم يٌقال بأننا لسنا في حاجة لتعيين جديد!!!

ضحِكت في قرارة نفسي وشر البلية ما يُضحك , وربما لأنني أيضا لا أملك غير الضحك في هذه الفترة الحرجة من السنة الدراسية.

عزفتُ عن السجلات الإدارية ومكثتُ أراقبها وهي لا تعرفُ بأمري أو عني شيئا ولم تسألني أيضا كغيرها عن أحوالي , وعلى الرغم مِن أننا نتقاسم الغرفة والهواء والمكتب أحيانا إلا أنها لم ترفع عينها عليّ أبدا إلا حين تتكلم تكلفا حين اسألها شيئا وتردُ على قهرا!!!

جادةٌ إلى حدِ الدهشة وقلّما تراها تبتسم ولا تعرف إلا الإيجاز الشديد في الرد وكأنها قطعتْ عهدا على نفسها بل لسانها أن لا تنبس ببنت شفة إلا بعد تفكير ٍطويل وبحث ٍدقيق لتردَ بأقل الكلام وأقصر الحروف!!!

وحين طالت بي المدة عندهم جاءتني الأخبار وحضرت لي الأقوال ـ وما أكثرها الآن ـ بأنها مريضة نفسيا!!!

وهنا بُهِتُ بل كانت هناك يدا خفيّة صفعتني جبرا وكأنني أستيقظُ بعدَها على حلم نهايته الفشل الذريع. لقد كُنت آملُ أن أقتربَ لهذه ِالشخصية , وأفكُ طلاسمَها وأتقرب ُ إليها لعلي أحظى بصديقة أبُثها ما في روحي من غضب ٍهادر على هذه القرارات العشوائية التي تصدرُ أحيانا بحقِنا كإداريات أو لعلها تمنحني متسعا مِن وقتها لتسمعَ همومي التي لا تنتهي ولن تنتهي بعد هذا النبأ الجديد!!!

مريضة نفسيا ما أقسى هذه العبارة بل هذا القرار الذي وصلوا إليه مِن غير أن يتم َالكشف عليها!! وهل هناك تقرير طبي يؤكد حالتها ليصموها بما ليس بها!!

هل صمتها وقلة كلامها يعتبر مرضا!!

هل جديتها في العمل بات خطيئة وزورا ثم يُنسف إلى الطب النفسي!!!

لا أعرف غير أنها ظهرت لي شخصا أكثر عقلا في عصر الجنون!!!

وبدتْ لي إنسان يُجيد استثمار الوقت بما يُجدي ويعود عليه بالنفع

وظهرت لي فتاة لا تضع أبسط خطوط مِن الزينة احترامها لمكان العمل

رأيتها كاريزما مختلفة عن ما رأيت فهي لا ترفعُ عينيها عن الورق ِوالأقلام ِإلا نادرا.

وتُحب المعرفة فتسألني عن بعض الأمور في العمل ليس إلا وهي لا تفعل مع البقية!!! وهذا ما توقفت عنده .. !!

لقد رأيتُ الآخرين كيف يهزؤون بها وهي لا تُبالي, ربما تشعرُ بهم وهي على الأرجح تشعر فهي بشر ولكنها لا تُلقي بالا لهم!!!

واثقة ... مستمرة ,,, ثابتة ,,,, لا ُتهتزُ .....

لم يسبق أن رأيت شخصية كهذه مِن قبل وأعترفُ بأنها شدّتني منذ اليوم الأول وباتتْ بالنسبة لي لغزا علي ّ أن أسبرَ غورهُ ,وأتجولُ في مجاهله, لأكشفَ غموضه!!!!

وربما لن أصلَ ولكنها مُتعتي على أي حال .. وكان عليّ أن أحترمَها في حين الكل يتجاهلها ويسخر منها.

(إنها مطيعة فقط عليكِ أن تتلفظي بالأمر لتخدمَك)))!!!! 1 وقعت هذه الجملة عليّ موقع الجبل!!!

ولماذا هي بالذات تصوِّرُ ـ بالنيابة عني ـ أوراقي!!! ولماذا أُعاملها كخادمة بل يتوجب علي ّّّّّ!!!!!

لأنها لا ترفض أمرا مِن إدارية أعلى منها أو معلمة أو طالبة. تحبُ أن تساعدَ الكل!!!!

وهذا أول أعراض المرض النفسي لدى الناس!!!! الطيبة والعطاء بلا توقف!!

وهنا عاهدتُ نفسي أن لا أفعل, وأن ْ أمنحها حق الإنسانية والعدالة مع الآخرين, فأنا أعشق الخوض في غمار النفوس فقد جُبلت على هذا منذُ كنت صغيرة وكم كُنت أسعد حين أمنحُ شخصا كلمة جميلة.

ومع الوقت أصبحتْ تجلسُ معي أيامَ مناوبتي الإدارية بل تُساعدني مِن تلقاء نفسها في ترتيب الورق الذي يتركه الفوضويون على مكتبي الضخم الذي باتَ سبيلا لِمن لا مكتب له!!!

ولأنني أخجل من صدهم لذا كان يتوجب علي ّ أن أنتظرَ موعد الخروج لأعيد الأوراق إلى مكانها الطبيعي وهي ممتنةٌ لي ـ الأوراق ـ فهي لا تبغي الشتات ولا أتصور أن شيئا في الوجود خُلق بلا نظام محدد ... يرنو له.

أصبحتْ تحكي لي الآن عن أسرتها وأخوتها وعن هواياتها وعن ما تحب وما تكره.

سألتها ذات مرة متى تضحكين؟ , ما هي المواقف التي لا تستطيعين أن تكتمي فيها ضحكك؟

ولم تبطأْ بالرد ِكثيرا نظرتْ لي بابتسامة فيها خفر, وقالت عَمَلنا اليوم مُرهق, وأدركتُ أن حُزنا يجثمُ على صدرِها صَرَفها أن لا تردَ وتحوّلَ الموضوعَ إلى شأن ٍآخر فتجاهلتُ الإلحاح وبادلتها الابتسامة.

لقد نطقتْ بعبارة لا ينطق بها إلا الحكماء لقد قالت لي يوما ما حينما سَمِعتْنِي أدعو لها بالزوج الصالح:

يا هدى نحنُ في عصر أصبح الزواج عبارة عن مصالح ومنافع متبادلة وليس علاقة مقدسة سامية ولذا لا حاجة لي برجل يُمثل بالنسبة لي زيادة عَدد لا عَتاد!!!!!!

وكم توقفتُ ثواني مديدة إنْ لم ْتكن دقائقَ طويلة أمام ردها الذي يفضح حقيقتنا وبشريتنا التي وصلنا لها في هذا العصر ...

نعم إنها مريضة لأنها واضحة جدا, وهي مريضة لأنها صريحة, وهي مريضة لأنها تعشق العمل في زمن لا أحد يُطيقه, وهي لا تعرف وقتا للفراغ, لذا فهي مختلفة والمختلف يبدو للبشر مريضا.

وكم كانت هذه الحقيقة ولا زالتْ توجعني ولكنها الحقيقة!!! على الرغم من سعادتي بها فقد كسِبتُ لزمرة صويحباتي إنسان مختلف مخلص نقي يبثُ لي بهمومه وحدي أنا .... ويُشركني بآرائه وحدي أنا, بل يساعدني بلا أمر ٍمني وحدي أنا .... !!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير