تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن قالوا: تعبدنا الله تعالى بحسن الظن به، وقال رسول الله (ص) إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي قلنا: ليس هذا من الحكم في الدين بالظن في شئ بل كله باب واحد لانه تعالى حرم علينا أن نقول عليه ما لا نعلم ونحن لا نعلم أيغفر لنا أم يعذبنا فوجب علينا الوقوف في ذلك والرجاء والخوف، وحرم علينا أن نقول عليه في الدين والتحريم والاباحة والايجاب ما لا نعلم، وبين لنا كل ما ألزمنا من ذلك فوجب القطع بكل ذلك كما وجب القطع بتخليد الكفار في النار أو تخليد المؤمنين في الجنة، ولا فرق ولم يجز القول بالظن في شئ من ذلك كله.

فإن قالوا: أنتم تقولون: إن الله تعالى أمرنا بالحكم بما شهد به العدل مع يمين الطالب وبما شهد به العدلان فصاعدا، وبما حلف عليه المدعى عليه، إذا لم يقم المدعي بينة في إباحة الدماء المحرمة، والفروج المحرمة، والابشار المحرمة،

والاموال المحرمة، وكل ذلك بإقراركم ممكن أن يكون في باطن الامر بخلاف ما شهد به الشاهد، وما حلف عليه الحالف، وهذا هو الحكم بالظن الذي أنكرتم علينا في قولنا في خبر الواحد ولا فرق.

قلنا لهم وبالله التوفيق: بين الامرين فروق واضحة كوضوح الشمس.

أحدهما: أن الله تعالى قد تكفل بحفظ الدين وإكماله، وتبينه من الغي ومما ليس منه.

ولم يتكفل تعالى قط بحفظ دمائنا، ولا بحفظ فروجنا، ولا بحفظ أبشارنا ولا بحفظ أموالنا في الدنيا.

بل قدر تعالى بأن كثيرا من كل ذلك يؤخذ بغير حق في الدنيا.

وقد نص على ذلك رسول الله (ص) إذ يقول: إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار وبقوله عليه السلام للمتلاعنين: الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب أو كما قال عليه السلام في كل ذلك.

والفرق الثاني: أن حكمنا بشهادة الشاهد وبيمين الحالف، ليس حكما بالظن كما زعموا، بل نحن نقطع ونبت بأن الله عز وجل افترض علينا الحكم بيمين الطالب مع شهادة العدل، وبيمين المدعى عليه إذا لم يقم بينة، وبشهادة العدل والعدلين والعدول عندنا، وإن كانوا في باطن أمرهم كذابين أو واهمين والحكم بكل ذلك حق عند الله تعالى، وعندنا مقطوع على غيبه، برهان ذلك: أن حاكما لو تحاكم إليه اثنان ولا بينة للمدعي، فلم يحكم للمدعى عليه باليمين، أو شهد عنده عدلان فلم يحكم بشهادتهما.

فإن ذلك الحاكم فاسق عاص لله عز وجل، مجرح الشهادة ظالم، سواء كان المدعى عليه مبطلا في إنكاره أو محقا، أو كان الشهود كذبة أو واهمين أو صادقين، إذا لم يعلم باطن أمرهم.

ونحن مأمورون يقينا بأمر الله عز وجل لنا بأن نقتل هذا البرئ المشهود عليه بالباطل، وأن نبيح هذ البشرة المحرمة، وهذا المال الحرام المشهود فيه بالباطل، وحرم على المبطل أن يأخذ شيئا من ذلك.

وقضى ربنا بأننا إن لم نحكم بذلك فإننا في الدين فساق عصاة له تعالى ظلمه متوعدون بالنار على ذلك وما أمرنا تعالى قط بأن نحكم في الدين بخبر وضعه فاسق أو وهم فيه واهم.

وقال تعالى: فهذا فرق في غاية البيان.

وفرق ثالث، وهو أن نقول: إن الله تعالى افترض علينا أن نقول في جميع الشريعة: قال رسول الله (ص).

وأمرنا الله تعالى بكذا، لانه تعالى يقول: * وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وما آتاكم الرسول فخذوه وما نها كم عنه فانتهوا ففرض علينا أن نقول: نهانا الله تعالى ورسول (ص) عن كذا، وأمرنا بكذا، ولم يأمرنا تعالى قط أن نقول: شهد هذا بحق، ولا حلف هذا الجانب على حق، ولا أن هذا الذي قضينا به لهذا حق له يقينا، ولا قال تعالى ما قال هذا الشاهد، لكن الله تعالى قال لنا: احكموا بشهادة العدول، وبيمين المدعى عليه إذا لم يقم عليه بينة، وهذا فرق لا خفاء به فلم نحكم بالظن في شئ من كل ذلك أصلا ولله الحمد، بل بعلم قاطع، ويقين ثابت أن كل ما حكمنا به مما نقله العدل عن العدل إلى رسول الله (ص) فحق من عند الله تعالى أوحى به ربنا تعالى، مضاف إلى رسول الله (ص) محكي عنه أنه قال وكل ما حكمنا فيه بشهادة العدول عندنا فحق مقطوع به من عند الله تعالى لانه أمرنا بالحكم به، ولم يأمرنا بأن نقول فيما شهدوا به، وما حلف به الحالف أنه من عند الله تعالى، ولا أنه حق مقطوع به، فإن قالوا: إنما قال تعالى: إن بعض الظن إثم ولم ولم يقل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير