تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وخلاصة هذه الأدلة مبسوطة في كتاب الأحكام كما تناولها غير أصولي موافقاً لأصول الظاهرية أو مخالفاً لهم، غير أن ما يهم في هذه الأدلة كلها موقف ابن حزم من الاستصحاب الذي يعرفه بأنه بقاء حكم الأصل الثابت بالنصوص حتى يقوم الدليل عنها على التغيير22، فيكون هذا المصدر بدوره مؤسساً على النص وليس على مجرد أصل ثابت من الإباحة الأصلية23. ويبدو أن أغلب المتكلمين ينكرون حجيته في الشرعيات دون الحسيات التي أجرى الله فيها العادة بالاستصحاب، في حين يثبته الظاهرية والشافعية والمالكية24.

إن استصحاب الحال عند ابن حزم تعبير عن عدم مراوحة الحكم الشرعي لنص المستدل به عليه فهو يدور معه وجوداً أو عدماً، فإن وجد النص وجد الحكم بالحل أو الحرمة، وإن لم يوجد فهو على الإباحة نزولاً عند قوله تعالى ? ولكم في الأرض مستقر ومتاعٌ إلى حين?.

7 - ظاهرية ابن حزم في ضوء مفهوم البيان

يصر ابن حزم على وجوب وضوح المعنى في الكلمة والجملة على حد سواء، غير أن المعنى الظاهر للكلمة كما يعدّه ابن حزم وما يجب أن نفهمه نحن ليس المعنى الذي تستقبله الأذن المشتتة غير المنتبهة والتي تجعله بعيداً عن الدقة قريباً من الغموض، إنما المعنى المقصود هو المرتبط بالفهم العميق لمبدأ اللغة، لذلك انشغل ابن حزم في مشروعه البياني بالوضوح اللغوي في إطار التعريفات. والمعرفة كلها فقهاً أم أصولاً أم فلسفة مبنية على التعريف25.ويمكننا بعد الاطلاع على عمل ابن حزم في هذا الموضوع من الموضوع المذكور سلفاً تبيان رؤيته البيانية القائمة على تحليل الألفاظ وتمييز معانيها منعاً لأي خلط أو التباس أو إبهام، ثم إن مهمة المفسر للنصوص أن يقتصر على استخلاص معاني الكلمات والعلاقات بينها بغية تتبعها بوصفها قواعد يمكن ممارستها على نحو عملي مترابط، وتتبدى الرؤية الحزمية الحرفية بإلغاء الثنائية القائمة بين المعاني العامة والخاصة فيبطل بذلك التمييز بين المراد والظاهر كنتيجة لإنشاء المعادلة بين العام والخاص، فاللغة أولاً وأخيراً ليست لغزاً من الألغاز المبهمة، كما أن هذا الموقف هو أصلح دعوة إلى نظرية يمكن أن نسميها بنظرية العموم26.والمتفحص لأعماله من جهة ثانية يكتشف مدى عمومية هذه الرؤية وتحولها إلى منهج قراءة في معارف متعددة فهذه الظاهرية البيانية تلوح في عمله الفقهي والأصولي، كما تبرز في وضوح في حواره مع اليهود والنصارى في الرد على ابن النغريلة وكتاب الفصل، كما تتأكد نظرياً في الأحكام وكتابه التقريب ناهيك عن رسالة إبطال القياس والاستحسان.

لقد استطاع ابن حزم أن يقيم مذهبه البياني في جميع المسائل الكلامية وأن يطبق أصول منهجه القائم على البعد اللساني تطبيقاً بارعاً في حجة مبسوطة لم تعرض بكيفية دقيقة – فيما نعلم – إلاّ عنده، ولقد لخص منهجه البياني هذا بقوله: "إن كلام الله تعالى واجب أن يحمل على ظاهره، ولا يحال عن ظاهره البتة إلاّ أن يأتي نص أو إجماع أو ضرورة حسّ، على أن شيئاً منه ليس على ظاهره، وأنه قد نقل عن ظاهره إلى معنى آخر، فالانقياد واجب علينا لما أوجبه ذلك النص أو الاجماع أو الضرورة، لأن كلام الله تعالى أو أخباره وأموامره لا تختلف. والإجماع لا يأتي إلا بحق والله تعالى لا يقول إلا الحق، وكل ما أبطله برهان ضروري فليس بحق"27. ثم إن الرجوع إلى النص بوصفه مصدراً للمعرفة الدينية بكل فروعها إنما يعتمد رأساً على الدلالة اللغوية ومبدأ المواضعة خاصة، ولا يمكن لأحد تحت غطاء التأويل وباسم المجاز أن يحيل الألفاظ عن دلالاتها إلا بنص جلي أو إجماع معلوم، لذلك سيكون هذا الطريق المسلك الوحيد للوصول إلى الحقيقة الشرعية المشفوعة بالبرهان العقلي والمزود بحجية ضرورات الحسّ28.

ثم إن الرجوع إلى ظاهر النص ليس بالأمر الهين كما يبدو لبعضهم؛ فليس الظاهر مجرد قشرة خارجية يمكن لمسها أو اقتلاعها، إنما الحقيقة تتعلق بإعادة تركيب للغة التي نزل بها الوحي وخوطب بها الناس، وهي في نظر ابن حزم المسؤول الوحيد عن تفسير الفكر الإسلامي الذي يستمد سلطانه من الوحي الإلهي، وهذا الأخير يجد قوته في البرهان من خلال بلاغتها ووضوحها وبيان دلالاتها.

أخيراً يمكننا وبدون مبالغة القول أن ابن حزم قد أدرك طبيعة المأزق الذي وقعت فيه الأمة في زمنه وقد كان مأزقاً خطيراً يهدد الحضارة الإسلامية في عمق وجودها، وكان من اللزم القيام بثورة فكرية تجديدية مَبْدَؤُها نقد الأصول بتأصيلها وطرح ما نتج من خيارات خاطئة ما زالت حضارتنا أسيرة لها إلى اليوم.

ـ[أبو محمد الظاهرى]ــــــــ[10 Apr 2009, 10:16 ص]ـ

علمت من دكتور جزائري فاضل -زميل للدكتور نعمان بوقرة- إلتقيت به من فترة قريبة أن الدكتور نعمان بو قرة حالياً عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود بالرياض وفقه الله.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير