تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن جهة ثانية لعله كان يرى في القياس الفقهي وأشكاله نوعاً من السفسطة والتحكم الضعيف، ذلك أن البحث عن العلة في الفرع والأصل تتم عند القياسيين باستقراء لا يمكن أن يكون تاماً برهانياً لذلك نجده ينكر على من لا يوجب اختلاف الحمم في حال افتراق السبه، مثلما يوجب استواءه في اجتماعه في قياس الشبه18. أما قياس العلة فغير معمول به أصلاً في الشريعة، وإن كان مستساغاً في الطبيعيات19، إلاّ أنه يجوز العمل به في الشريعة إذا نص النص نفسه على وجود العلة في الحكم.

ويحلو لنا ونحن نبسط رؤيته هذه على مائدة الحوار إن نعدها شكلاً من أشكال التوسيع والترخيص للناس في حياتهم الدينية. إذ ليس للعقل وكل آلياته سلطان في التحريم أو التحليل، فيضحي كل شيء لم ينص فيه بحكم مباحاً سهلاً للأخذ. وعاى ما في هذه الفكرة من وجاهة نقف متعجبين ممن ناصب ابن حزم العداء واتهمه بالتعصب من حيث كان هذا الأخير ساعياً للتيسير على الناس، ولعل ابن حزم كان محقاً حين قال: " ... وأما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر أزهد الناس في عالمٍ أهلُه ... وقرأت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال: لا يفقد النبي حرمته إلاّ في بلده".

6 - مفهوم الدليل وحجيته في النظرية

لا بد ونحن نصف عناصر البنية الفكرية التي تؤطر فكر ابن حزم أن نتطرق ولو بشكل مجمل لمفهوم الدليل الذي يعرفه بكونه أمراً مأخوذاً من النص أو الإجماع، إذ هو محصل منهما مدرك من دلالتهما، وليس الدليل باعتباره مصدر استنباط حملاً على النص أو الإجماع عنده عن طريق النظر في العلل، بل هو أمر مأخوذ من النص نفسِه، ولهذا تنتفي التسوية بين الدليل المؤسس على النص عند ابن حزم ومفهوم القياس عند القائمين به.

6 - أ – أشكال الدليل

يبين ابن حزم انقسام الدليل إلى أقسام أهمها:

6 – أ – 1 – اشتمال النص على مقدمتين دون التنصص على النتيجة التي يكون استخراجها دليلاً، والأكيد في هذا الأنموذج أن الحاصل ليس قياساً لفرع على أصل لعلة جامعة بينهما سواء نص النص على العلة أم لم ينص عليها.

6 – أ – 2 – تنفيذ عموم فعل الشرط، مثل قوله تعالى التوحيد ? إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف? والشرط هنا يقتضي أن كل من يغفر له الله شركاً كان أم غيره.

6 – أ – 3 – تضمن المعنى الذي يحمله اللفظ في ذاته نفي معنى آخر لا يجوز اجتماعه مع معنى اللفظ المقصود كتضمن لفظة أف في قوله تعالى? فلا تقل لهما أفٍّ? (الإسراء: 23) معنى النهي عن النهر والضرب واستحالة اجتماع هذين المعنيين مع معنى الإحسان لهما والتقرب إليهما.

6 – أ – 4 – أما الشكل الرابع فيتمثل في عدم التنصيص على حكم الشيء الذي إما أن يكون حراماً بالنص وحكم الإثم في الفعل، وإما أن يكون فرضاً بالنص فيأثم التارك له، وإما أن يكون مباحاً إذا لم ينص على أحد الحكمين السابقين، والحقيقة أن هذا النوع أدخل في باب الاستصحاب عند الظاهرية وسنعرض له في محلّه20.

وربما يتبادر إلى الأذهان سؤال عن جدوى استقلالية الدليل كمصدر رابع في التفكير الظاهري رغم كونه نتاج النظر في النص ذاته، والجواب أن ابن حزم ينكر التأويل البعيد ويحرص على الدلالة الظاهرة للنص، لما كانت هذه الصور ممثلة بما تضمنته ودلالات الألفاظ من معان تأخذ بالتأمل، وليست أخذاً بظاهر اللفظ وإن كانت متفرعة ومشتقة عنه وهو السبب المباشر لإخراجها مستقلة عن سائر الأدلة21.

والحقيقة أن ما ذكر آنفاً من أقسام إضافة إلى أنواع أخرى هي أرب ما تكون للبراهين المنطقية التي تعكس صدى المنطق في دراسات ابن حزم للشريعة من جهة، وترتبط بالنص القرآني والحديث النبوي من جهة ثانية، في حين يقدم الإجماع عند الظاهرية أشكالاً أخرى للدليل أهمها استصحاب الحال. وأقل ما قيل وإجماعهم على ترك قولة ما وإجماعهم على أن حكم المسلمين سواء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير