تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولتحقيق هذا الاستبصار وجب سلوك سبيلين: أ - أن يطلب ذلك بالجدِّ والاجتهاد والإخلاص؛ ولا يتم ذلك إلا بمراقبة من يعلم السرَّ وأخفى، على مستوى القول والفعل والسلوك، مع الاستعانة بمدِّ يد الرجاء إلى الله تعالى.

وحتماً بهذا الفعل ستكون النتيجة هي الاهتداء لقوله تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا] (العنكبوت: 69).

ب - مراقبة أحوال وأقوال وأفعال الآخرين، ليقف على السيِّئ منها فيلحظه في نفسه ليتجنَّبه، باعتبار تقارب طباع الناس، فيتفقد نفسه ويطهرها في ضوء ما يراه مذموماً في غيره.

وقد قيل قديماً: «العاقل من اتّعظ بغيره».

فالإعراض عن معرفة العيوب هو ضعف ونقص وفقدان للشجاعة في مواجهة النفس، ولهذا الإعراض سبب أساسي يوقع فيه وهو: اعتقاد الإنسان أنه بلغ مرحلة من الصلاح، مع أن كل إنسان معرَّض للنقصان والخطأ، ورحم الله عمر القائل: «أحب الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي» [4].

2 - مجاهدة أمراض النفس وأخطائها وصفاتها الذميمة: أخطاء النفس كثيرة، لا يستطيع عادٌّ عدَّها أو حصرها، وإن كانت الإشارة إليها والتنبيه على أهمِّها أمراً أساسياً.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله بعض أخطاء النفس فقال: «في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتوُّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغيُ قارون، وقحّة هامان (أي لؤم)، وهوى بلعام (عرّاف أرسله ملك ليلعن بني إسرائيل فبارك ولم يلعن)، وحِيَلُ أصحاب السبت، وتمرُّد الوليد، وجهل أبي جهل.

وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب، وشَرَهُ الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضبِّ، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصَولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفَّة الفراش، ونوم الضَّبع» [5].

والحديث عن كل هذه الأخطاء بالتفصيل يحتاج إلى مِداد ليس بالقليل، ووقت ليس باليسير وجهد عسير، عسى أن يمنَّ به المولى العزيز الكريم، فنتصدَّى لها بالتفسير والتعليل، لكن ما لا يُدرك كلُّه لا يترك جلُّه، فليكن حديثي عن بعضها وأهمها في نظري انطلاقاً مما ذكر القرآن.

* أهمُّ أخطاء النفس: 1 - الشهوة ووسيلة ضبطها: يقول الله تعالى: [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ] (آل عمران: 14).

وخطورتها تكمن في كون طريقها يؤدي إلى النار حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: «حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» [6].

- وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي ربِّ وعزَّتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفَّها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فنظر فيها ثم جاء فقال: أي ربِّ وعزَّتك لقد خشيت ألّا يدخلها أحد، قال: فلما خلق النار قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فنظر إليها ثم جاء فقال: أي ربِّ وعزَّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفَّها بالشهوات ثم قال: يا جبريل اذهب إليها فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي ربِّ وعزَّتك لقد خشيت ألّا يبقى أحد إلا دخلها» [7].

فالشهوة ما تشتهيه النفس وتتمنَّاه وترغب في تحقيقه مهما كان المقابل خطيراً.

وقد جُبلت النفس على حب الشهوات التي لن تتجاوز ما ذكر في القرآن، ويمكن أن نُطلق على الآيات السابقة أصول الشهوات التي يتفرع عنها غيرها.

- فأصل الشهوات النساء كما أكَّد على ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «ما تركت بعدي فتنة في الناس أضرَّ على الرجال من النساء» [8].

وقد يحصل الشذوذ والانحراف فتنقلب الشهوة إلى نمط آخر، كما قال تعالى: [إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ] (الأعراف: 81).

- ويتبعها البنون؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الولد مبخلة مجبنة محزنة» [9].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير