تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" تَلْوُونَ" كتبت بواو واحدة ولو اننا نعتمد على الرسم – كما يقول بعض المستشرقين- لقرأناها "تلون" ولكن الأصل فى القراءة هو ما حفظ فى الصدور وليس ما كتب فى السطور. نجد أن هناك واو صغيرة أضافها علماء الضبط تنبيها على الواو الأخرى التى لم تكتب. والصحابة لم يكن عندهم إشكال في ذلك أن يكتبوها بواو واحدة ويقرأونها واوين، بعض العلماء المتأخرين أشاروا أنها من سوء هجاء المتقدمين أي كانوا ضعفاء فى الإملاء وليس هذا بصحيح. الإملاء اصطلاح تعارف عليه أهل كل عصر والإملاء إلى اليوم فيه خلافات. ألا ترون ان هذه فائدة تشير الى مفهوم الزوجية فى الحياة خلق الله كل شيء في الحياة على هيئة الزوجية، الآن في تلقي المصحف لا يقبل خط إلا بشهادة حافظ ولا يقبل حفظ حافظ إلا بشهادة مكتوب. هذين الشاهدين على ضبط النص القرآني. ونعمل بهذا إلى اليوم في رضد درجات الطلبة على الرغم من وجود التقنية لعمل ذلك. الصحابة كانوا لا يكتبون الآيات إلا بعدما يتأكدون منه.

(لا تلوون) معناها هربتم مسرعين حتى اذا ناديناكم لا تردون ولا تلتفتون وهذا ما وقع فى نفوسهم من الهلع والهروب في الموقف عصيب. ولم يكن صلى الله عليه وسلم بمنأى عن أصحابه ,كان هو الذي يثبت وهو الذي يدورون حوله وكانوا يقولون كنا نحتمي به لعلمهم انه أشجع الخلق. وشجاعة البدن راجعة إلى شجاعة القلب وثباته وثبات القلب راجع إلى الإيمان والإتصال بالله سبحانه وتعالى فأعظم الناس اتصالاً بالله سبحانه وتعالى هو أشجعهم قلباً وأشجع الناس قلباً هو أجرأهم. ومع هذه الصفات التى إتصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والقوة لم يثبت أنه قتل بيده إلا أُبي بن خلف فى معركة أحد عندما قال بل أنا أقتلك يا عدو الله. فبالرغم من شجاعته صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يكن سفاكاً للدماء كما يتهمه الجهلاء.

{فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}

الصحابة رضي الله عنهم وقع منهم ما وقع فى هذا الموقف فعاقبهم الله في نفس المكان. نستنبط فائدة أنه ينبغي على المؤمن ألا يحزن عندما يعاقَب فكان العقاب مباشرة فهذه نعمة وفي مصلحته. قد أعجل العقوبة لمحبته لك و لرحمته بك. ونجد بعضهم عندما يصاب بمصيبة فيعلوه الهم وبعضهم يتسخط ويقول أنا ماذا فعلت يا رب وكذا. أقول هذه نعمة على الانسان أن يعجل العقوبة. يقول حسن البصرى: إنني لأرى ذنبي في ولدي ودابتي وزوجي. وهذا من رحمة الله بالإنسان بتعجيل العقوبة حتى تأتى يوم القيامة بدونه وهو أيضا تقويم مباشر وحتى لا تتمادى في معصيتك. وما يؤكد ذلك {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} ويقول المفسرون في قوله (فأثابكم غماً بغم) عاقبكم الله غما, غم القتل والجراح بسبب أنكم غممتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفتكم إياه وتنازعكم في الأمر، هذا قول ويشهد له واقع الصحابة. والقول الثاني وهو أقوم والله أعلم انه أثابكم غما بغم قتل رسول الله كان سبباً لزوال الغمّ الذي وقع في قلوبكم بالهزيمة والانكسار والمصيبة فلما سمعتم قتل رسول الله نسيتم مصيبتكم فكان ذلك من رحمة الله بكم. ولما علموا انه حي يرزق كأنه لم يصيبهم شىء يؤكد ذلك موقف الصحابية التي أبلغوها عن مقتل زوجها وأبيها وأخيها وهي تسأل ما فعل رسول الله؟ فقيل لها هو حيّ يرزقن فقالت كل مصيبة بعده جلل يعني سهلة أو صغيرة. الشيخ الشعراوى رحمه الله حام حول هذا المعنى الثاني فأجاد. الإصابة هنا كأنها بمعنى جزاء معنوي وليس من باب العقاب كما فى القول الأول أنها عقاب. أثابكم أي خفف عنكم المصيبة. (غماً بغم) فيها بيان معنى الأدوات هل الباء في (بغم) بمعنى على أو باء السببية أو باء بمعنى البدل يعني غماً بدل غم أو غماً بسبب غم أو غماً على غم.

(وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) يبدو أنها مرتبطة بالحدث كاملاً (حتى اذا فشلتم) (منكم من يريد الدنيا) هو خبير بعملكم. مجموعة أعمال حصلت منهم وكلها اعمال فناسب أن يكون الختام (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) "خبير" يدل على الخبرة والعلم. فكل خبير عليم وليس كل عليم خبير. وتأكيد على ذلك قوله تعالى (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ) لم يكن أحد يعلمها من الصحابة رضى الله عنهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير