تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في سورة البقرة فكان هذا من باب المثاني تثنية الشيء. وتعرفون الزهراوين كأنهما سورتان متكاملتان يصبان في نهر واحد. هناك أخذ الميثاق وذكر الله النهي عن كتمان شيء ما أوحي من الكتاب حتى في أول البقرة يقول تعالى {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) البقرة} وهنا في آخر آل عمران {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}

هل هذا خطاب لأهل الكتاب فقط؟ هنا يأتي القياس. نقول هذا الخطاب ابتداء لأهل الكتاب ثم هو كذلك لكل من كان عنده علم يحتاج إليه الناس ولا يوجد عند غيره فإنه يدخل في هذه الآية. لماذا؟ لأنه أحيانا يتدارأ الفقهاء الفُتيا فلا تُنزّل هذه الآية عليهم مثل ما حدث عن بعض الصحابة وبعض التابعين أنهم كانوا يدعون الفتيا كلما جاء أحد يسأل قالوا إسأل فلاناً، من ورائهم. هذا لا يدخل في هذا الباب. بعض المفتين لمايسألك تقول له إسأل فلان فهو أعلم مني فيقول أنت تعرفه تقول نعم أنا أعرفه ولكن أحسن لك اسأل فلان أعلم مني. يقول {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} يا شيخ لماذا تكتم العلم؟. أقول هنا انتبه إذا كان كاتم العلم في هذه اللحظة يؤثر في أمر جلل فيدخل في هذه الآية أما إذا كان لتدارؤ الفتيا لا تدخل في هذا الباب بل يمدح على ذلك كما كان الصحابة والتابعين يفعلون ذلك.

ومن فوائد الآية أن ينبغي بيان الحق للناس جميعا ولم يخص فئة معينة. وهذه مشكلة أهل الكتاب اليهود والنصارى أن عندهم خصوصية في علم الكتاب. مرت مرحلة كبيرة في التاريخ كان العلم مقصورا على الرهبان والأحبار. وعموم الناس لا يستطيعون أن يفهمون شيئا من الكتاب المقدس إلا بواسطة الرهبان والأحبار. الآن انفتح الباب وأصبح الكل يتحدث في الكتاب المقدس وينقدونه ويكذبونه ويردون ما فيه بالأدلة وما زال الرهبان في صوامعهم يظنون أنهم مازالوا يحتكرون الدين. عندنا الدين لكل أحد ولابد ومن حق كل مسلم أن يعرف ويتأمل حتى قال عمر بن عبد العزيز لا يهلك العلم حتى يكون سرا، هذه إشارة إلى هذا المعنى. قال سبحانه وتعالى هنا {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} هذه كانت تكفي ولكن قال {وَلَا تَكْتُمُونَهُ} للإشارة إلى أن الكتمان ذنب لأن البعض قد يقول غيري سيبينه ولكن الله سبحانه وتعالى قال لا تكتمونه. امتناعكم عن البيان هو كتمان. الأمر الثالث {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} الله قد أخذ ميثاق علماء الكتاب أن يبينوا الحق ويظهروه للناس ولا يكتمونه فماذا كان تصرفهم؟ ما قال فكتموه ولكن لجحودهم به واستهزائهم به وحدهم قال {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} قال "نبذوه" وهذا يقال للشيء الذي لا يبالى به. واشتروا به ثمنا قليلا أي باعوه بالدنيا.

أهل الكتاب لم يقدروا الله ولم يقدروا الأنبياء ولم يصدقوا موسى الذي جاءهم بالتوراة بل كذبوه وردوا عليه ما جاء به ونبذوه وراء ظهورهم من أجل الدنيا وحسداً للرسول صلى الله عليه وسلم. هذه الآية أخافت كثير من العلماء و أطارت النوم من عيونهم وعرضتهم للمهالك فكان كثير منهم تعرض لمقابلة الطغاة والصدع بالحق لأن الله أخذ الميثاق على أهل الكتاب. كم هم الذين حاولوا أن يثنوا الإمام أحمد عن أن يجهر بكلمة الحق في قضية خلق القرآن ولكن عندما يقرأ هذه الآية يسكت الناس. ماذا أصنع بهذه الآية وقد أخذ الله علي الميثاق؟. يعني نحن أخذ علينا الميثاق. نسأل الله أن يعيننا على أن نقوم بحق هذا الكتاب وأن نبينه للناس ولا نكتم شيئا منه ولا نشتري به ثمنا قليلا. أسأل الله لي ولكم ذلك.

ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[15 Sep 2009, 12:37 م]ـ

الحلقة 37

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير