تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} وهذا يدلنا على أن موضوع القتال ينطلق أول ما ينطلق من القلوب. ماذا في قلبك من الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين؟. إن كنت ستقاتل الكفار وأنت معجب بهم وتحبهم وتقربهم وتداهنهم وتجعلهم بطانة , كيف ستنتصر؟! لا يمكن. لكن يجب أن يكون التجرد والولاية والنصرة أولا في هذه الأنفس. إذا فزنا على أنفسنا وعلى شهواتنا في دواخلنا إستطعنا أن نصرع أعداءنا في الخارج. وتأكيد لمعنى عمل القلوب في المعارك والحروب قول الله سبحانه وتعالى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} (الفتح) علم ما في قلوبهم من الصدق ومن الإيمان فأنزل السكينة عليهم وكذلك هنا.

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)

قوله (وإذ غدوت) يعني خرجت غدوة في أول النهار وتبوئ أي تجعل كل إنسان في مكانه أي تنزلهم منازلهم {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. وفي قوله"إذ غدوت من أهلك" قال أهلك ولم يقل من بيتك أو من المدينة ولو قال إذ غدوت تبوئ للمؤمنين مقاعد تكون مفهومة. ولكن (من أهلك) إشارة للمكان الذي خرج منه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه من الفوائد الشيء الكثير منها التنبيه على أن المسلم يخرج مجاهدا من بيته وأهله الذين يحبهم ويحبونه وقد باع نفسه لله فهذا ملحظ في قوله (من أهلك) تركتهم وهم أهل لك. وفي ذلك تأكيد على العمل القلبي. الآن يتجرد الإنسان من محبته للكافرين وحتى من أهله أيضا فلا يؤثر محبتهم على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.وهذا المعنى أيضا مذكور في سورة التوبة {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} ولذلك أقول أن المؤمنين يؤتون من هذا الجانب أولا وإذا نجحوا فيه نجحوا فيما بعده. والمشكلة أن هذا هو الذي يشغلنا كثيراً عن الجهاد. حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)} (الفتح) هم ليسوا منافقين ولكن اشتغلوا بالدنيا.

وفي قوله (إذ غدوت من أهلك) قضية الغدوّ أي الإتيان بالأعمال في أول النهار وأن هذا مبارك ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على الخروج في الصباح ويحرص على أن يبدأ المعركة في الصباح وفي هذا دلالة على أن يختار الإنسان الوقت للبدء. فكما أن الأشخاص والأماكن يختلفون كذلك الأوقات ففيها ما هو مبارك وما هو أقل بركة. ولذلك إذا بدأ الإنسان معركة يبدأها في الوقت الذي يكون مباركا. وفي الآية {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}. ولمحة أخرى أيضاً في قوله (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) الإنسان الآن سيودع أهله ويذهب للقتال وقد لا يعود إليهم مرة أخرى ففيها العناية بهم وإعطاؤهم هذه العواطف الجميلة قبل أن يخرج للقتال وأن يجعلهم آخر شئ يخرج منهم وهذا آخر عهده بهم فهو يسلّم عليهم ويودعهم ويوصيهم ويدعو لهم "أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وهم يقولون له " نستودع الله دينك وأماناتك وخواتيم أعمالك" حتى أن الرجل إذا أراد أن يخرج للقتال سمع كلمة من زوجته تثبته " إتقِ الله ولا يضرك هذا وأن الله عز وجل سيحفظنا" فهو يستبشر ويستنصر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير