تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كفارات لما بينها إذا اجتنبت الكبائر" فالله عز وجل يقابل سيئاتك بحسناتك فتكفرها وتسترها. فإذا بقي شيء يحتاج إلى عفو الله عز وجل وتفضله عليك فذلك من الله. وهذا ملحظ له وجاهة في القرآن فمن تتبع لفظ المغفرة في القرآن يجد أن المغفرة تكون للشيء العظيم وأن فيها تفضل من باب المنّة وليست من باب المقابل وإن كانت مقابل عمل التوبة تقول اللهم اغفر لي ذنوبي هي دعاء عام لكن إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا كما يقال في المغفرة والتكفير (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا (31) النساء) أي نجعل طاعتكم مكفرة لسيئاتكم إن اجتنبتم الكبائر أما إذا جاءت الكبائر فيبقى فضل الله تعالى وعفوه.

لما قال (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ (192)) تأملت في الخزي جاءت أن العبارات تقصر عن بيان معناه، لو ذهبت إلى علماء اللغة ومن تكلم في الخزي يقرب المعنى لكن لما تقع في عمل مخزي ترى نفسك في هذا العمل المخزي وتحاول أن تعبر عنه لا تستطيع أن تعبر، في بعض القضايا والأحوال النفسية التي يدعو المسلم ربه أن لا يقع فيها مهما حاولت أن تعبر عنها في الألفاظ لن تستطيع أن تقرب هذا المعنى فالخزي هو انكسار في النفس بسبب معصية أو خطأ وقعت فيه فقد تخطيء على شخص ما فيصيبك خزي وقد يحدث منك شيء عفوي جداً يحصل لسائر الخلق مثل خروج الريح تشعر بالخزي مع أنك تعلم أن هذا الأمر يحدث من غيرك أيضاً لكنك تشعر بالإحراج والإنكسار ولو حاول شخص أن يعبر عن هذا الشعور تجد العبارات تقصر عن ذلك. فإذا تأملنا لفظ الخزي في القرآن تجده يوحي بالمعنى وإن لم تستطع أنت أن تصفه بعبارات تبين معناه. ولا شك أن إدخال الله سبحانه وتعالى لمن شاء أن يدخله جهنم هذا أعظم الخزي (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) هذا هو الذي يستحق أن يسمى خزي وهو أعلى الخزي.

أهل الإيمان استثمروا عبادة التفكر في التعبد لله عز وجل ودعائه وطلب أمور يحتاجون إليها وهذا بخلاف ما يشاع في هذا العصر أننا نتفكر من أجل أن نكون أمة رائدة وصانعة هذا كلام صحيح لكن قبل ذلك لن نصل إلى هذه المراحل حتى نعود إلى أصلنا في الإيمان، الصحابة رضوان الله عليهم كانوا في جاهلية جهلاء أكثر مما نحن عليه ولكن جعل الله هذا الإيمان في قلوبهم فصار عندهم من الحياة القلبية ما جعل هناك مسؤولية جماعية عند كل شخص يحمل همّ هذه الأمة كلها ولذلك قاموا قومة رجل واحد واستطاعوا في غضون أقل من سنوات أن يحطموا امبرطوريتين عظيمتين ويهشموا عروش ملوك كسرى وقيصر، سبب ذلك هي هذه الحياة التي وقرت في قلوبهم وهذا المعنى الذي تجلى لهم، نحن الآن في بلاد الخليج الأموال موجودة والثروات موجودة، العقول موجودة والدين واحد والموقع الجغرافي موقع مؤثر، انظر إلى اليابان كيف تصدّر منتجاتها لأنحاء العالم وهي في أقصى الأرض!، نحن الآن في بؤبؤ الأرض ولكنا فقدنا هذه الروح التي يجب أن نتحلى بها. نحن لا نشعر بعظمة ما نملكه من النعمة، حدثنا أحد المشايخ أقام معرضاً للحضارة الإسلامية في جنوب افريقيا وحضره أناس وجاءت امرأة عجوز ربما في الثمانين إلى ركن من يريد أن يدخل الإسلام فسالت عن التفاصيل فأعطيناها تعريفاً عن الإسلام فقالت أنا أعرف عن الإسلام ولكن كيف أدخل فيه فأرشدها إلى المكان وأعلنت إسلامها فقالت هكذا بكل بساطة أصبحت مسلمة؟! أليس هنا بروتوكول؟ قيل لها لا، أنت أصبحت مسلمة فبكت بكاء شديداً وأبكت من حولها وقالت كنت أخاف أن يدركني الموت وأنا لم أُسلِم وأنا قرأت عن هذا الدين وأعرف عنه تفاصيل كثيرة وهذا هو الدين الحق وخرجت من المعرض وقالت أنا عندي بنت وتنتظرني للدخول في الإسلام لكني خشيت لو ذهبت لأحضرها أني لا أدرككم. وشخص آخر أعطوه ترجمة لمعاني القرآن وهو قسيس فغاب يومين حتى قرأ الكتاب ثم عاد فقال هذا كتاب ليس كتاب عبادة أو دين بالمعنى الخاص وإنما منهج حياة متكامل وأنا قارئ ومطلع لكني ما كنت أتوقع أن القرآن هذا فقال له الشيخ هذا وأنت قرأته بلغة مترجمة ومهما حاولنا في الترجمات أن نوصل المعنى الذي في اللغة العربية لا يمكننا. فأقول نحن لا تشعر بقيمة هذا الإيمان. (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا (193)) هذه الآية فيها إشارة إلى أنه ينبغي علينا أن ندعو للإيمان بصوت عالٍ وأن ننشره في كل مكان وأن يكون هو رسالة المسلم التي تظهر من لسانه ومن حاله، لا ينادي المسلم لنفسه ولا لدولته وإنما ينادي للإيمان وانظر قوله تعالى (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ) ذكر الإيمان مطلقاً والإيمان إذا أُطلق فيكون لمن يستحق أن يؤمن به وهو الله سبحانه وتعالى. قال تعالى (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ) نقول لكل من دخل هذا الدين إياك أن يكون نداؤك لفلان أو للحزب الفلاني وإنما يكون تحزبك للإيمان وأهل الإيمان ونحن ما ذقنا من هذه التحزبات إلا الخلافات والصراعات التي ملأت العالم الإسلام مع الأسف علماً أننا نصلي لقبلة واحد ونحج في مكان واحد، فلماذا لا نهتدي بهذه الآية البينة الواضحة (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ)؟! أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن ينادون للإيمان وأن يجعلنا ممن يؤمنون به سبحانه وتعالى إيماناً كاملاً نحن وإخواننا.

سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك.

محاور الحلقة:

لفظ المغفرة في القرآن الغالب يَرِِد على وجه التفضّل والمنّة

المراد بالخزي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير